هشاشة التوحش الخليجي وانهيار مجلس التعاون
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: باقر المشهدي
كاتب متخصص في شؤون الخليج
الحقيقة التي يجمع عليها المراقبون هي تصدُّع منظومة مجلس التعاون الخليجي، ووصولها إلى مرحلة الموت السريري، وذلك بعد قيام السعودية والإمارات والبحرين بفرض حصار قاس على دولة قطر، وامتناع كلٌّ من عمان والكويت عن الاندفاع تحت راية الهيمنة السعودية / الإماراتية. وكان أمير الكويت صباح الأحمد قد أعلن عن فشل مفاوضات بلاده مع السعودية والإمارات من أجل التوصل لحلول مقبولة وسريعة مع قطر لإنهاء الخلاف السياسي المستعر منذ يونيو ٢٠١٧م، وقد نقل في الأثناء استياء أمير الكويت من موقف الملك سلمان غير المكترث، والطلب منه الحديث مع ابنه محمد بن سلمان فيما يتعلق بملف أزمة قطر. وهذه تعتبر إهانة صريحة وجهها الملك السعودي لأمير الكويت، حيث عاد الأخير من بعدها إلى بلاده وأرسل رسالة خطيرة لأعضاء مجلس الأمة الكويتي، معتبرا أن أزمة قطر قد لا تجد حلولا لها في الأفق القريب، كما ألمح إلى أن انعقاد قمة مجلس التعاون في الكويت أمر غير محسوم وغير واضح في ظل مطالبات دول الحصار رفض حضور قطر، بل أن البحرين طالبت بطرد قطر من مجلس التعاون.
فشل سياسة حب الخشوم
تاريخيا؛ فإن أزمة مجلس التعاون الحالية ربما تعتبر الأشد منذ تأسيسه في ١٩٨١، لكنها ليست كذلك قبل هذا التاريخ، فالصراعات السياسية بين دول المنطقة ومشايخها لم تكن تنتهي عسكريا إلا عبر الضبط البريطاني الذي أثبت فعاليته في تثبيت قواعد الاشتباك منذ ١٨٢٠ وحتى ١٩٢٣ حيث بدا واضحا أن الاحتكاك العسكري بين تلك المشخيات أمر غير مقبول دوليا. وفيما يخص العلاقات السعودية-القطرية، يرجع تاريخ الأزمات بين البلدين إلى العام ١٩٢٦، أي منذ تولي الملك عبد العزيز الحكم في “المملكة العربية السعودية”، ثم وقوف السعودية بجانب البحرين في أزمة جزر حوار؛ حيث وصل الأمر إلى تهديد قطر بالغزو في ذلك الوقت، ثم أزمة الخفوس في العام ١٩٩٢، إثر تدخل عسكري في الأراضي القطرية واحتلال المركز الحدودي، ثم أزمة ١٩٩٦، عندما قادت السعودية انقلابًا عسكريّا ضد قطر، وكان مركزه في البحرين بمشاركة الإمارات ومصر، ثم أزمة ٢٠١٤ التي كانت تشمل تدخلًا عسكريًّا عبر تمرين (زايد 1) الذي أُرِيد له أن يكون تمهيدًا لتدخل عسكري في الدوحة. فالأزمة الدائرة بين قطر ودول الحصار الثلاث جاءت نتيجة صراعات طويلة بين دول الخليج، تعود تاريخيا إلى ما يزيد عن عشرين عاما، كما تشير السعودية في الكثير من تصريحاتها.
يقدم هذا السرد التاريخي السريع دليلا على وجود أزمة بنيوية في منظومة مجلس التعاون، حيث يفتقد المجلس ما يعرف بإدارة الأزمات، واللجوء بشكل دائم للمفاهيم القبلية وحب “الخشوم” لتسوية تلك النزعات واحتكام المنازعات لزعامة واحدة هي السعودية، بل واعتبارها تمثل الهوية القائمة لمجلس التعاون. وبالتالي فإن التخبط الذي تعيشه السعودية في الوقت الحالي يتبعه تخبط في كافة الأطر المرتبطة بالسياسة السعودية.
ارتدادات الفشل والتوحش
في السياق نفسه، يمكن النظر إلى منظومة مجلس التعاون بوصفها هرما سياسيا تقف في قمته كلا من السعودية والإمارات وقطر، في حين تقع كل من الكويت وعمان في وسط الهرم، أما البحرين فتقع في الأسفل. ومعنى ذلك أن هناك منافسة شرسة وغير متوازنة في قمة الهرم. وهذا الاختلال في توزيع القوة لم يكن مألوفا من قبل عندما كانت السيادة والهيمنة أمرا مسلَّما للسعودية، باعتبارها الجارة الكبرى لجميع دول الخليج العربية.
يقودنا ذلك إلى إعادة النظر في منازعة الإمارات وقطر للهيمنة السعودية، وخروج الدوحة على النص في الوقت الذي تنتظر الامارات انجلاء غبرة التغيرات في السعودية لكي تحدد موقفها من سيادة الهرم السياسي. فحتى ولو نجحت جهود المفاوضات في حل أزمة قطر أو تسهيل الأمور لانعقاد قمة الكويت؛ فإن مجلس التعاون الخليجي فقدَ فعاليته، ولم يعد لديه وجود، وأنه حتى ولو نجا بطريقة أو بأخرى رغم الأزمة الخليجية؛ فإن وجوده سيتضاءل وسيفقد فعاليته أكثر فأكثر.
من شأن هذا الوضع أن يزداد وضوحا في ظل الصعود المستمر لسيادة محور المقاومة في النظام الإقليمي، وتضاؤل حصة السعودية والإمارات وقطر فيه، بعد أن كان ٢٠١١ محور الدول الخليجية هو الأكثر نفوذا وهيمنة. ومن الطبيعي أن تكون ارتدادات الإنهزام في النظام الإقليمي قوية على مستوى التعاون بين المحور الخليجي. ومن الملاحظ أن حجم الارتدادات تلك كانت من طبيعة التوحش السياسي الذي وُصِف به المحور الخليجي، وهو توحُّش يقوم على مقومات الفحش في الخصومة والرغبة في الإمحاء وعدم القبول إلا بالإقصاء.