نشطاء وباحثون يؤكدون غياب “الحرية والعدالة” في البحرين ويدعون إلى “ضغط دولي” لوقف وتيرة الانتهاكات
منظمة "أمريكيون" تقيم أولى ندواتها في جنيف على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان
جنيف – البحرين اليوم
نظمت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” أولى ندواتها يوم الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨م في جنيف على هامش فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان، وتناولت الندوة واقع انعدام الحرية والعدالة في البحرين قبيل الانتخابات البرلمانية التي تجري في وقت لاحق من العام الجاري.
وتحدث في الندوة عدد من الأكاديميين والناشطين في عدد من المنظمات الدولية، وأدارتها ليلى مطر من منظمة هيومن رايتس ووتش التي أكدت في افتتاح الندوة على حاجة الانتخابات إلى عدد من المعايير الضرورية لضمان إجرائها بصورة حرة ونزيهة، ومنها الحاجة لأن تكون الانتخابات خالية من عمليات الإكراه أو الترهيب التي تجبر الناخبين على التصويت، ووجود حماية قوية لحرية التعبير والتجمع. وجرى النقاش خلال الندوة حول ما إذا كانت الانتخابات المقبلة في البحرين ستفي بالشروط اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكيف سيؤثر الوضع على الأرض في إقامتها.
حسين عبدالله: انعدام المراقبة المستقلة للانتخابات
وأول المتحدثين في الندوة، المدير التنفيذي لمنظمة “أمريكيون”، حسين عبدالله، الذي تطرق إلى حل الجمعيات السياسية في البلاد، ومنها جمعيات “الوفاق”، “وعد” و”أمل”، واعتقال أمين عام “الوفاق”، الشيخ علي سلمان، واستهداف القيادي في جمعية “وعد”، إبراهيم شريف، والقيادي في “أمل”، خليل الحواجي، كما أشار إلى التعديل الأخير في القانون والذي فرض حظرا دائما على الأشخاص الذين تم اعتقالهم من المشاركة في الانتخابات.
كما أشار عبدالله إلى عدم وجود مراقبة مستقلة للانتخابات، في ظل “إسكات” الصحافة، ولاسيما بعد إغلاق صحيفة “الوسط”، التي يُنظر إليها باعتبارها الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد. وبالتوازي مع ذلك، توقف عبدالله عند موجة القمع المتصاعدة ضد الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين، فضلا عن الاتجاه المتزايد لإسقاط الجنسية التي فاق ٧١٩ حالة منذ العام ٢٠١٢. وفي ظل ذلك، دعا عبدالله مجلس حقوق الإنسان إلى إصدار قرار حول وضع حقوق الإنسان في البحرين، وإلى إعادة العمل والحياة للجمعيات السياسية وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين قبيل الانتخابات المقبلة، وشدد على أن ضرورة أن يكون للضغط الدولي تأثيره على ما يحصل من انتهاكات في البحرين، وقال بأنه حينما يتوقف هذا الضغط فإن البلاد تشهد ارتفاعا في انتهاكات حقوق الإنسان.
عبد الهادي خلف: قوانين الانتخابات تحت سيطرة “الملك”
ومن أبرز المتحدثين في الندوة، الأكاديمي البحراني الدكتور عبدالهادي خلف، الذي كان عضوا في برلمان البحرين في العام ١٩٧٣، كما كان سجينا سياسيا في الفترة بين ١٩٧٤ و١٩٧٦، وبسبب نشاطه الأكاديمي والمعارض تم إسقاط الجنسية عنه في العام ٢٠١٢م.
وخلال مشاركته، تحدث خلف عن أنماط القمع في البحرين، وأشار على وجه الخصوص لحالة الرمز الحقوقي المعتقل نبيل رجب، وأوضح خلف أن هذه الحالة تبعث برسالة إلى النشطاء الآخرين ومفادها أن أية معارضة، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تؤدي إلى عقوبات قاسية. وفي هذا السياق، لفت الدكتور خلف إلى الهجوم الذي تعرضت له السفيرة الفرنسية في البحرين بسبب تغريدات دعمت فيها نبيل رجب، على الرغم من أن موقفها كان منسجما مع السياسية الفرنسية الرسمية في هذا الشأن، حيث دعت وسائل إعلام رسمية في البحرين إلى إبعاد السفيرة وإخراجها من البحرين.
كما توقف خلف عند سياسة نزع الجنسية، والذي يمثل حرمانا من الحقوق المدنية، وعدم القدرة على المشاركة في الانتخابات والتعبير عن الآراء، كما ناقش التغيير الأخير الذي طرأ على قانون الحقوق السياسية، والذي لازال غامضا بشكل متعمد لإعطاء الحكومة المجال الأوسع لتهديد الأفراد وإرهابهم وقمع النشاط السياسي. وفي حين أن هذا القانون هو أحدث الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لقمع المعارضة، أشار خلف إلى أنها بُنيت على فرض المزيد من القيود علي حرية التعبير والتجمع، والتي طال أمدها، بهدف ضمان أن تكون عملية الانتخابات في البحرين “خالية” من الإنصاف والعدالة منذ البداية. وأوضح بأن عدم العدالة في النظام يتفاقم من خلال التمييز الهيكلي في السلطة داخل الحكومة وآلية العمل بين مجلسي النواب والشوري، والضغط الذي يمكن أن تمارسه العائلة الحاكمة على كلا الهيئتين لضمان تمكنها من الحكم بفعالية وبطريقة استبدادية. ونتيجة ذلك، يضيف الدكتور خلف، فإن الانتخابات والقوانين التي تنظم الانتخابات؛ ظلت تحت سيطرة “الملك” على الدوام.
يوسف الحوري: استهداف عوائل النشطاء
وشارك في الندوة الناشط يوسف الحوري، وهو أحد النشطاء المغتربين الذين أُسقطت الجنسية عنهم بسبب نشاطه الحقوقي، وأدى عمله في مجال حقوق الإنسان إلى تعرض أسرته للانتقام من الحكومة، ولاسيما بسبب تعامله مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي كلمته، وصف الحوري سلسلة الأحداث التي وقعت في مايو من العام ٢٠١٧م، حينما كان وقتها يحضر جلسة المراجعة الدورية الشاملة للبحرين، وخلال ذلك تم استهداف عائلته وعائلة الناشط الحقوقي السيد أحمد الوداعي داخل البحرين، حيث تم اعتقال والده وشقيقته وتعرضهما للانتقام المباشر بسبب نشاطه. كما قُبض على عمة السيد الوداعي وشقيق زوجته خلال جلسة المجلس هذه. ولاحظ الحوري أنه لا قضيته ولا قضايا السيد الوداعي فريدة من نوعها، مؤكدا بأن الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، سواء داخل البحرين أو خارجها، تجري بشكل ممنهج. ثم ذكر حالات ابتسام الصائغ، نبيل رجب، والأستاذ حسن مشيمع، الذين لا يزالون يواجهون حالياً مضايقات وسوء معاملة انتقاماً من أنشطتهم في مجال حقوق الإنسان.
كيفن ويلان: لابد من الضغط الخارجي
الناشط كيفن ويلان من منظمة “العفو الدولية”، أعاد التذكير في كلمته بالتقرير الذي أصدرته المنظمة في العام ٢٠١٧م، وحمل عنوان “لا أحد يستطيع حمايتك”، والذي ركز على قمع الحقوق المدنية والسياسية في البحرين، وقال ويلان بأن الوضع في البلاد “يُنذر بالخطر”، وأشار إلى قمع حريات التعبير والتجمع، وعلى وجه الخصوص تطرق إلى استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان واعتقالهم.
وذكر ويلان بأنه على الرغم من تدهور وضع حقوق الإنسان في البحرين، إلا أن دولاً مؤثرة “تظل صامتة”. وأشار إلى وجود صلة مباشرة بين غياب الضغط السياسي الدولي والطريقة العدوانية التي تقوم بها السلطات في البحرين بقمع المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين. ولاحظ السيد ويلان أيضاً رفضَ البحرين التعاون مع الأمم المتحدة، بما في ذلك رفضها لطلبات الزيارة من المقررين الخاصين حول التعذيب والتجمع وتكوين الجمعيات والتعبير ووضع المدافعين عن حقوق الإنسان، فضلاً عن طلبات الزيارة من المفوض السامي لحقوق الانسان. وسلط الضوء على حقيقة أن منظمات أخرى خارج الأمم المتحدة قد تم منعها بالمثل من البلاد، بما في ذلك منظمة “أمريكيون” ADHRB ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
وكرر السيد ويلان ملاحظات المفوض السامي واهتماماته بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان وإغلاق المجتمع المدني في البحرين، وأشار إلى المحاولات المتكررة من جانب الحكومة الخليفية للتأثير على نتائج المراجعة الدورية الشاملة عن طريق إسكات الناشطين، بما في ذلك الاعتقال التعسفي لـ ٣٢ ناشطاً في البحرين.
وإزاء ذلك، طرح السيد ويلان السؤال: “ما الذي يمكن عمله؟” وكرر في هذا الخصوص ما ذكره المدير التنفيذي لمنظمة “أمريكيون”، حسين عبدالله، مشيرا إلى أنه ينبغي اتباع المبادئ الإيرلندية لمعايير موضوعية في المجلس. وأشار إلى أن إنفاذ هذه المبادئ يمثل تحديا سياسيا، وليس تحديا لحقوق الإنسان. وأشار أيضاً إلى عمل هيئات المعاهدات بشأن البحرين، بما في ذلك المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكاتب الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وهيئات المعاهدات، بما في ذلك لجنة مناهضة التعذيب واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التي ستقوم بمراجعة التزامات البحرين بموجب الاتفاقية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في يوليو ٢٠١٨. وأشار إلى أن هؤلاء الخبراء أبدوا استعدادهم للمشاركة مع السلطات في البحرين لتقديم مشورة الخبراء، والتي رفضت الحكومة قبولها. غير أنه لاحظ أن الدول الأخرى يمكنها استخدام عمل هيئات الخبراء هذه للمشاركة في حقوق الإنسان مع البحرين أو في المجلس والأمم المتحدة.
وشهدت الندوة نقاشات إضافية تناولت بشكل خاص المخاوف بشأن الحريات السياسية. وتم التأكيد على أن “الإرادة” في حل الوضع السياسي “لا تأتي من الداخل بل هي في الحقيقة نتيجة للضغط الخارجي والداخلي”. وأوضح المتحدثون على أن الضغط الخارجي يثبت على أنه عامل رئيسي في ضوء الافتقار إلى الإرادة السياسية المحلية لدى حلفاء النظام الخليفي، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وعلاوة على ذلك، تم التأكيد على أن وثائق الهيئات المنشأة بموجب معاهدات هي مورد “غير مستغل” من حيث ضمان الاستفادة القصوى من نتائج الاستعراض الذي تقوم به هيئات الخبراء.
وفي الختام، تم التأكيد على أنه بسبب الافتقار إلى حرية الناخبين، وكذلك الأعضاء المنتخبين ومع وجو إطار دستوري معيوب؛ تواجه الانتخابات المقبلة في البحرين تحديات عديدة. ولهذا السبب فإن الضغط الخارجي والداخلي أمر حاسم للتأثير على القوي ودفع المطالب في الاتجاه الصحيح.