من المهمّش, سنّة العراق أم شيعة البحرين؟
ترتفع بين الفينة والأخرى أصوات داخل العراق تدعو الى إنهاء مايسمى بظاهرة تهميش السنة من قبل الأكثرية الشيعية الحاكمة في البلاد. وتلقى تلك الدعوات تعاطفا خارجيا من قبل العديد من الحكومات ووسائل الإعلام العربية والمؤسسات الدينية, بل وحتى الإدارة الأمريكية وعلى لسان الرئيس أوباما أصدرت دعوات بهذا المعنى. وفي ذات الوقت فإن الأغلبية الشيعية في البحرين والتي تخضع لحكم عائلة آل خليفة السنّية تدعي بأنها مهمَّشة, غير ان تلك الإدعاءات وعلى العكس من سابقتها لا تلقى تجاوبا او تعاطفا لا على الصعيد العربي أو الدولي إلا ما ندر. فما حقيقة تهميش السنة في العراق والشيعة في البحرين؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد من المرور السريع على طبيعة نظام الحكم في كلا البلدين. فالبحرين يسودها نظام حكم ملكي تتوارث فيه عائلة آل خليفة الحكم أبا عن جد ومنذ اكثر من قرنين من الزمان, أي منذ دخولها للبحرين قادمة من منطقة الزبارة في دولة قطر المجاورة عام 1783. وقد ورث حاكم البلاد الحالي حمد عيسى الخليفة الحكم من والده الذي توفي عام 1999, فيما يجلس على سدة رئاسة الوزراء عمه خليفة سلمان الخليفة ومنذ استقلال البلاد عام 1971. وتهيمن عائلة أل خليفة على جميع الوزارات السيادية و معظم الوزارات الحكومية.
فمن مجموع 27 منصب وزاري وبضمنها رئاسة الوزراء ونوابه تحظى العائلة ب 11 منصبا وفي طليعتها رئاسة الوزراء ووزارات الداخلية والدفاع والخارجية والمالية. واذا ما أضفنا لتلك المناصب الحكومية الوزارات التي يحظى بها السنة من غير عائلة آل خليفة والبالغة 11 منصبا وزاريا فيصبح عدد المناصب المخصصة للسنة 22 منصبا. وماتبقى وهي 5 مناصب وزارية هي حصة الشيعة وبضمنها منصب نائب رئيس الوزراء. وبلغة الإرقام فإن حصة الشيعة تبلغ نسبتها 18,5٪ في التشكيلة الحكومية. وأما حصة عائلة سنية واحدة وهي عائلة آل خليفة فتبلغ 40٪ وأما حصة السنة مجتمعين فتبلغ 81,5٪.
وإذا ما أخذنا بنظر الإعتبار ان نسبة الشيعة في البلاد تتراوح بين 60 -70٪ فيمكن معرفة حجم الغبن والتهميش الذي يعانون منه في البحرين. فوفقا لنسبتهم يفترض أن يحظو وعلى أقل التقادير بنسبة 60٪ من المناصب الوزارية أي 16 منصبا وزاريا وبضمنها رئاسة الوزراء وعدد من الوزارات السيادية. وفضلا عن ذلك فإن الشخصيات الوزارية الشيعية موالية للنظام ولا تمثل الأغلبية الشيعية التي إنتخبت ممثلين آخرين في مجلس النواب عام 2010.
هذا على صعيد الحكومة, وأما على صعيد البرلمان فهو يتشكل من غرفتين هي مجلس النواب المنتخب ومجلس الشورى المعين. ويتكون مجلس النواب من أربعين مقعدا وكانت حصة الشيعة منها 18 مقعدا برلمانيا في إنتخابات العام 2010 بالرغم من انهم فازوا بأصوات اكثر من 60٪ من الناخبين في البحرين, غير ان النظام الإنتخابي في البحرين صُمِّم بشكل يمنع فوز الشيعة بالإغلبية البرلمانية, فهو يعطي للناخب السني ثقلا أكبر من الناخب الشيعة وذلك عبر التوزيع الغير عادل للدوائر الإنتخابية. وعلى فرض السماح بتمثيل عادل للشيعة فإن مجلس النواب في البحرين يخضع لسلطة مجلس الشورى الذي يعينه الملك الذي به سلطة فوقهما.
وهكذا فإن الدور السياسي الحكومي للأغلبية الشيعية شبه معدوم في الوقت الذي تهيمن فيه الإقلية السنية على مقاليد الحكم. وهو الأمر الذي انعكس على نسبة التمثيل الشيعي في مؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية منها حيث هناك إقصاء شبه تام لهم من هاتين المؤسستين بل وصل الأمر بالحكم الى توظيف اجانب وتجنيسهم للعمل في تلك الأجهزة حتى وصل عدد المجنسين الأجانب الى 100 الف مجنس خلال السنوات القلائل الماضية وفقا لتقديرات مراقبين, في مسعى تعتبره المعارضة الشيعية يهدف لتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد.
واما في العراق فالنظام فيه جمهوري ديمقراطي, حيث يتم إنتخاب أعضاء للبرلمان المكون من غرفة واحدة وهي غرفة مجلس النواب التي يتم إنتخابها مرة كل أربع سنوات. حيث ينتخب المجلس الرئاسات الثلاث من جمهورية ووزراء وبرلمان. والبرلمان ينتخب أعضاء الحكومة ورئيسها و يمتلك سلطة مطلقة لمحاسبة رئيس الوزراء وإقالته. وقد تعاقب على سدة الحكم في العراق خلال العقد الأخير Hربعة رؤساء للوزراء ورئيسين للجمهورية على العكس من البحرين التي يحكمها رئيس وزراء أوحد ومنذ أكثر من أربعة عقود. وقد كفل النظام الإنتخابي العراقي تمثيلا عادلا لجميع مكونات الشعب وبغض النظر عن إنتمائاتهم الطائفية والقومية.
فقد نص الدستور على أن يمثل كل 100 ألف مواطن نائب في البرلمان. واعطى صوتا متساويا لجميع المواطنين. وكانت نتيجة ذلك ان أفرزت الإنتخابات الأخيرة برلمانا فاز الشيعة بأغلبية نوابه باعتبارهم أكثرية في البلاد, فهم يستحوذون اليوم على قرابة 180 مقعدا برلمانيا فيما حظي الكرد على 60 مقعدا فيما كانت حصة السنة العرب 70 كرسيا برلمانيا. ولذا فقد حصل الشيعة وفقا لإستحقاقهم الإنتخابي على منصب رئيس الوزراء والنائب الأول له ومنصب نائب رئيس البرلمان ونائب رئيس الجمهورية وعلى ثلاث وزارات سيادية هي الداخلية والخارجية والنفط. واما العرب السنة فحازو على منصب رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية ووزارتين سيادتين هما كل من التخطيط والدفاع وأربع وزارات أخرى. واما الكرد ففازو بمنصب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ونائب رئيس البرلمان ووزارة سيادية واحدة هي المالية وثلاث وزارات أخرى ومن المحتمل تسلمه رئاسة جهاز المخابرات الوطني.
وبذلك يكون العرب السنة حصلوا على خمس مناصب سيادية واربع وزارات وأما الكرد فحصلوا على أربع مناصب سيادية وثلاث وزارات. وإذا ماعلمنا بأن أغلبية الكرد هم سنة فيكون عدد المناصب السيادية التي حصلها عليها السنة مجتمعين تبلغ 9 مناصب سياديةو 7 وزارات. واما الشيعة فهم وبرغم فوزهم ب 60٪ من المقاعد البرلمانية غير انهم تمكنوا من شغل ٧ مناصب سيادية فقط أي أقل بمنصبين من السنة مجتمعين. واما على صعيد مؤسسات الدولة فالحضور السني واضح وجلي في جميع مؤسسات الدولة ولايوجد إقصاء او تهميش في المؤسسة العسكرية أو الأمنية ولايوجد حظر على دخول أبناء السنة في تلك المؤسسات.
علما بان العديد من المحافظات السنية تحولت الى حاضنة للأرهاب بعد سقوط نظام صدام وحملوا السلاح لقتال النظام الجديد. غير أن الأغلبية الشيعية ظلت تعاملهم على أنهم شركاء في الوطن ولهم الحق في المشاركة في إدارته كما وان العراق لا يستقدم مرتزقة للعمل في أجهزته الأمنية من الخارج.. وعلى العكس من شيعة البحرين الذين الذي لم يحملوا السلاح قط ولم تتحول مناطقهم الى حاضن لقوى الإرهاب غير أنهم محظور عليهم الإنخراط في المؤسسة العسكرية والأمنية.
ان هذه الحقائق تكشف اكذوبة مايسمى بتهميش السنة في العراق ، وتزيح النقاب عن حجم الظلم والحيف الواقع على شيعة البحرين ومنذ قرون.