من أحاديث “#العصفورة_الشريرة”: في أحوالِ الصّحافة والصّحافيين (٣)
حسن كاظم – كاتب بحراني | خاص البحرين اليوم ..
شربتُ الشّاي هذا المساء باستمتاعٍ غريب. طعمُ الشّاي السّيلاني له روحٌ أخرى بعد تناول وجبةٍ يتمنّاها المرءُ بعد جوعٍ طويل. كانت العصفورةُ الشّريرة تنظرُ إليّ وأنا ألتهمُ يديّ أثناء الأكل. من المؤكّد أنّها لم تكن تريد أن تشاركني هذا الطعام، ولكنّها كانت تتنظرُ مني إشارةً لكي تبدأ أسئلتها.
أرخيتُ نفسي على الكرسي الخشبي، وبدأتْ شطانتُها المعهودة بسؤالٍ غير متوقّع: “ما رأيكَ بالكاتبةِ لميس ضيف؟”. هذه الأسئلةُ المباشرةُ لا تريحني، وتذكّرني بالوجهِ القبيح للمدعو سعيد الحمد، وكأنّني أمام الشّاشةِ الآن أشاهده وهو يُفرّغُ ما شربه في جلسةِ السّمر مع ضبّاطٍ وموظفين في إدارة المباحث الجنائيّة. أيّتها العصفورة، عليكِ أنْ تنتبهي جيّدا لأسئلتكِ، لأنّني في الأيّام المقبلةِ لن أتحمّلَ وقوعَكِ في مثلِ هذه الأخطاء الفاحشة! عندما تسألي: ما رأيك في كذا أو في هذا الشّخص.. من غير أن تضعي السّؤالَ في سياقٍ أو في إطار معيّن.. فكأنّكِ ترمين في وجهي أكياسا نتنةً محشوّةً بروائح من برنامج “الرّاصد”! هل تعرفين ماذا يعني ذلك؟! لن تتوقّعي منّي أن أقولَ شيئا وأنا مُهدّدٌ بمحاكم التّفتيش وغُرف التّحقيق. ارجعي إلى الأرشيف، وابحثي عن شخصٍ اسمه علي رضي، كان رئيسا تنفيذيّا لصندوق العمل، وتمّت استضافته في البرنامج المذكور، وأُمطرتْ عليه أسئلة الاستهدافِ المحنّطة بالكراهيّة والدوائر الحمراء. لقد انقضّ عليه الإعلاميّون المخبرون في تلفزيون “العين العورة”، حتّى توفي بنوبةٍ قلبيّة مفاجئة بعد حين. هؤلاء الإعلاميّون والصّحافيّون مجرّد قتلة، وليسوا شيئا آخر؟! كنتُ غاضبا، لأنّ ذاكرتي استرجعت فجائع عشر سنواتٍ مضت. نظرتُ إلى العصفورةِ من طرفِ عيني، وأعدتُ كوب الشّاي إلى مكانه وأنا أتطلّعُ إلى مكانٍ غير محدّد.
فهمتْ العصفورةُ الرّسالةَ بسرعة. هي عصفورةٌ شريرةٌ وذكيّة و”تلتقطها وهي طائرة”. أعادتْ السؤالَ بطريقةٍ أخرى: “كيف تقيّم الأقلامَ والوجوهَ النسائيّة في صحافتنا وإعلامنا؟”.
أولا، يا عصفورة، أنا لا أنسجمُ كثيرا مع هذا النّوع من التّصنيف المحنّط، نسائيّة رجاليّة وما شابه، ولكن بالفعل لا يسع المرء إلا أن يتساءلَ عن أحوالِ نساء الصّحافةِ والإعلام، ولاسيما وأنّ امرأةً لا خيرَ فيها، أعني عهدية أحمد، كانت تترأسُ جمعيّةً، لا خيرَ فيها، معنيّةً بالصّحافة في البلاد. من الممكن، لو كانت الحالُ غير هذه الحال؛ أن يكون ذلك مفخرة لنا: أنْ تتبوأ امرأةٌ هذا المنصب المهم، فهذا أمرٌ جميلٌ، ويجعلنا نتباهى بين الأمم بأنّنا نسويّون بامتياز، وبدون أن تزعلَ علينا وفاء العم أو نزيهة سعيد. ولكن في حالتنا سيّئة السّمعة، فإنّ الأمرَ يبعثُ على الحُرْقة والعار. كيف تكون رئيسةَ جمعيّةِ الصّحافة رأسَ حربةٍ ضد المجتمع والنّاس، بأنْ تكون بوقا للصّهاينةِ الغزاة، وأن تكون شرّا على زملائها في المهنة، وعلى المنادين بالحريّات؟ هذا توحّشٌ وفُحشٌ مبين! قد تقع وفاء العم، مثلا، في اندفاعٍ وهي ترى نفسَها إعلاميّةً تُثبت تميّزها خارجَ حدود بلدها، فتصدرُ عنها أخطاءٌ غير مبرّرة (لا تنظري إليّ هكذا أيّتها الشّريرة، سأعودُ إلى أخطاءِ وفاء، فلا تهزّي ذيلك، لا تهزّيه..ِ!)، ولكن عهديّة هذه أعجزتْ كلّ الصّحف، الصّفراءَ منها والبيضاء، ولم تتعلّم شيئا يؤهّلها لأنْ تكون لا متألقة ولا متأنّقة (مثل وفاء في الميادين، شاشتِها وبرودكاستها). لقد أيْنعتْ وترعرعت عهديّة في دواوين “طويلي العُمر” و”قصيري النّظر”، ونالت شهادة الآيزو في التسكُّع والتملُّق، وبما لا يفعله طالبُ سنة أولى صحافة. أين عهديّة هذه من خولة مطر؟ نعم خولة، مثل وفاء ونزيهة، لم تجتهد كثيرا لأجلِ إظهارِ المشهد الكاملِ لما جرى ويجري، وكما يُفترضُ بأيّ صحافيّ أو كاتبٍ متحرّر من “السّلطان” و”الإخوان” و”الجيران”، ولكن “لخولة أطلالٌ” في الصّحافةِ توازي كلّ أطنانِ الصّحفِ التي تصدرُ في هذه البلادِ المنكوبة بنساءِ آخر الزّمان!
“إنّها المرّة الأولى التي أراكَ تمدحُ أحدا من عالم الصّحافة!”. لا، المسألة ليست مديحا، ولكنه تقريرٌ لواقع أثبتته خولة من الجيلِ السّابق، ونزيهة من الجيل الجديد. ولكنّي لا أمدحُ من غير أن أنتقد، فالكاتبُ مهمّته أن يقول الكلام كاملا، لا مقطّعا ولا مبتورا، لا منمّقا ولا منافقا. لا شكّ ولا ريب.. أنا لا أضعُ سوسن الشّاعر وعهديّة وفوزية رشيد وانتصار البنّاء (المجنّسة لعلم الذي لا يعلم) و.. في كفّةٍ واحدةٍ مع أمثال خولة وشبيهاتها من “الرّفيقات” و”الأخوات”.
“أعطني نقدا إذن.. ولكن من غير قسوةٍ أو شدّةٍ في الوصفِ والقول، لكيلا يتدخّل الرّقيبُ فيقصّ كلامك أو يُعدِّل عليه فينال من المعنى الذي يريح البال”.
يا للهول! ما أدراكِ يا شريرة أنّ الرّقيبَ يلاحقني هنا أيضا؟ كيف عرفتِ ذلك؟ “لا تغيّر الموضوع أرجوك.. أنا ملتزمةٌ كما ترى.. ولم أحرّك ذيلي.. فهل لك أن تذكر نقدا للصّحافيّات من الرّفيقات والأخوات”. في الحقيقةِ، لا توجد صحافيّاتٌ ذائعاتٌ من “الأخوات”، أو دعيني أقولُ الحقيقةَ بشكلٍ آخر: قلبي وعقلي لا يُطيعني على أنْ انتقدهن، ففيهن ما يكفي من بلاءِ الأرضِ والسّماء، ولكن يمكن أن أقولَ شيئا في شأنِ الرّفيقات. لميس عادت إلى البحرين، وهي لا تزالُ تعجزُ عن أن تعيدَ مجدَها القديم، ذلك المجدُ الذي اختط فيه الحابلُ في النّابل، كما خلطت فيما مضى بين السّعيدي وحسن مشيمع. وسببُ عجْزِ لميس هو أنّها لا تزالُ تترنّحُ بين ضفّتين لا تلتقيان، ولم تحسم حتّى الآن مقرّها وقرارَها ومكانَ قرّةِ عينها. والحسمُ مع الصّحافيّ أو الكاتبِ لابد أن يكون موزونا متوازنا، لكي لا ينقلب الميزانُ على صاحبه. خذي مثلا وفاء.. لقد حسمَت أمرَها ومرارتها، وما همّها أحدٌ ولا جماعةٌ في حسْمها، ولو “حَمَستْ” بعض الشّيء من وراء جُدر، ولكن على وفاء ألا تنسى – وهي تتألقُ وتتأنّقُ – من أنّ تغييبَ مشاهد وشواهد وشهود من “ميادين” البحرين لا يعني أنّ كلّ ذلك غير موجودٍ في “ميادينها”. سعيد الشّهابي لازال يتنفّسُ، القوى الثوريّة تنطقُ حتّى اليوم، ولو بلسانٍ مبحوح، وهناك أسماء جديرةٌ بأن يُقالَ فيها أشياء وأشياء، غير تلك الأسماء – “الجديرة” أيضا – التي تحبّ أن تسمعها وتتبادلَ معها التّهاني والهدايا. لا أُنكرُ (ومنْ أنا حتّى أنكر أصلا!) أنّ الصّحافيّات الرّفيقات نجحن في أكثر من مرّة، وبأكثر من ألف مرّة، وأن كثيرا من “المؤمنين” و”المؤمنات” فرحوا وفرحن بهنّ، تماما كما أنّ أحدا من هؤلاء ما تأخّر في تهنئةِ نزيهة حين فازت بجائزةٍ في الصّحافةِ أو أبدعت وهي تتحدّثُ في منبرٍ شائع الصّيت. ولكن هذا النّجاح فرديّ، ويُحسب لهن، وعليهن، وهذا ما يبيحُ نقدهن “شريطة الاحترام” بحسبِ تعبير “بحرين أون لاين” رحمه الله.