البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: أحمد رضي
كاتب من البحرين
تعود سابق معرفتي بآل سهوان الكرام إلى بداية التحاقي بالدروس الدينية بحسينية بن خميس وبلدة السنابس في مطلع التسعينات تقريباً، حيث كانوا مثالاً للأخوة الناشطين في مجال العمل الإسلامي والمبادرة التطوعية لخدمة الناس، فيما أمتاز ثلاثة منهم بحكم كونهم (رواديد حسينيين) مما جعل شهرتهم الاجتماعية تتجاوز حدود البحرين لتصل إلى بعض دول الخليج والعراق ولبنان والمنطقة الشرقية. وقد ظهرت علامات التدين والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) عليهم واضحة منذ صغرهم، بفضل رعاية والدهم المرحوم والخطيب الحسيني المعروف الملا حسن سهوان السنابسي البحراني رحمه الله.
ولا يخفي علينا ماهية الصعوبات والأزمات الأمنية التي تعترض سبيل الناشطين في العمل الإسلامي، ويمكن ملاحظتها خصوصاً مع بداية الثمانيات بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ووصولاً إلى منتصف التسعينات حيث انفجرت الانتفاضة الشعبية في البحرين، حيث تعرض الأخوة (آل سهوان) كغيرهم من البحرانيين للاعتقال التعسفي والتعذيب البدني والنفسي في أكثر من مرحلة زمنية، ولما ضاقت سبل المعيشة في الوطن السليب هاجر بعضهم، (الحاج جعفر وأحمد وحسين) للخارج بحثاً عن عمل يؤمن لهم لقمة العيش والحياة الكريمة في أرض الله الواسعة. فعاشوا في الغربة سنيناً طويلة، تقاطعت فيها أيام قاموا برحلات قصيرة لزيارة وطنهم وأهلهم وأحبتهم الأعزاء، أو المشاركة حيناً في المناسبات الدينية والاجتماعية ومواكب العزاء الحسيني. ولمن لا يعلم؛ فإن الحاج جعفر سهوان هو أول رادود حسيني أدخل القصيدة السياسية ضمن قصائد الموكب الحسيني قبل ٣٥ عاماً وفي فترة أمنية حساسة جداً في الثمانينات بسبب قانون أمن الدولة، وتبعه أخوه حسين ومهدي بأصواتهم المميزة، وهي تجربة تستحق التأمل والدراسة.
وما يهمني هنا الوقوف لحظات لقراءة معاناة إنسانية ومحنة مؤلمة ما زال يعيشها الأخوة آل سهوان.. من الحرمان من الخدمات الأساسية التي يستحقها المواطن والحرمان من التوظيف والإسكان ومنع بعضهم من السفر للخارج بسبب القوائم الأمنية، إلى جانب تعرضهم عدة مرات للسجن والتوقيف بسبب دورهم الاجتماعي والديني.. ومع ذلك عاشت عائلة آل سهوان – صغيرهم وكبيرهم، نساؤهم ورجالهم – ظروف صعبة لم يفقدوا صبرهم ولم تضعف عزيمتهم، وفي أقسى الظروف كنت أراهم بوجه بشوش يبادرون بالسلام وطيب الكلام وأحلاه، ويفتحون مجالسهم للجميع بمحبة وكرم، وهذا يذكرنا بأخلاق شيعة الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهم السلام.
وقد تعرض آل سهوان في خضم انشغالهم بالعمل الإسلامي لمواقف وأحداث وأخطاء كأيّ بشر، وهم ولله الحمد واعين لكل الآراء المتباينة في المجتمع البحراني، ويتقبلون النقد بصدر واسع وهو ما نحسبه لهم كعقلاء حباً وتقديراً لعلاقة أخوية صادقة نعتز بها.
من جانب آخر؛ أريد أن أقف بإيجاز على بعض محطات الحياة للشهيد السعيد محمد سهوان رحمه الله. كان المأتم او الحسينية هو المحطة الأولى التي جمعتنا وعرفتنا به كأخ وصديق عزيز إلى جانب كونه ناشطا اجتماعيا وفنانا ملتزما برسالته الهادفة. وقد تعرض رحمه الله للسجن مراراً منذ فترة الانتفاضة الشعبية بالتسعينات وحتى مرحلة ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١. كنا نراه مع الشباب في أحلامهم.. وفي ملعب الكرة، وقائداً بالكشافة، وحاضراً بالمسجد ومواكب العزاء ورحلات وفعاليات القرية. وكان رحمه الله يستقبل الجميع كضيوف وأحبة في مجلسه الأسبوعي بإسكان السنابس، وكان في دوار اللؤلؤة يعيش أحلام الوطن بالحرية والكرامة ويطالب بحقوق شعبه. وكان محباً للقضية الفلسطينية ومتابعا لها، وسمّى ابنه (قسام) نسبة للشهيد عز الدين القسام القائد بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين.
الشهيد محمد سهوان ضحية من ضحايا النظام في البحرين، ومثال صارخ لإهمال علاج المعتقلين المرضى وسوء أحوال السجون في البحرين، فقد شاء القدر أن يُطارد من قبل النظام الحاكم ويصاب بـ ٨٠ شظية من رصاص الشوزن بمنطقة الرأس والرقبة، ويعتقل لاحقاً في دولة قطر ويحكم عليه بالسجن ١٠ سنوات، تعرض خلالها لتعذيب بدني ونفسي شديد. وكان رحمه الله يعاني من آلام الإصابة وإهمال علاجه في سجون سيئة. وطوال سنوات تجاهل النظام نداءات إنسانية وبيانات حقوقية تدعو لعلاج محمد سهوان كحق طبيعي، إلا أن النظام أصر على إهماله وعدم علاجه. وكانت آخر أيام لقائي به في سجن الحوض الجاف عام ٢٠١٢ قبل أن يحاكم وينقل لسجن جو. كان أبا قسام بمثابة الأب الذي يلجأ إليه الجميع لحل مشاكلهم الخاصة أو إيصال رسائلهم لإدارة السجن أو خلق الابتسامة في أوضاع حزينة ومؤلمة. كانت رسالته نشر الابتسامة والأمل حتى في أقسى لحظات الألم والظلم.
أخونا الصديق العزيز الشهيد محمد سهوان.. ستبقى حياً ونحن الأموات.. ستبقى ابتسامتك علامة حب للجميع.. وسيبقى ألمك شهادة ألم الوطن السليب.. السلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً. لقد رحلت عند ربك ومحبوبك وسنشتاق لك يا آبا قسام، وستبقى ابتسامتك خالدة في قلوبنا رغم جراح الألم.. وصبراً صبراً يا آل سهوان.. وهنيئاً لكم شهادة أخيكم أبي قسام رحمه الله.