ساهر عريبيمقالات
مشاهدات من جنيف ..الحلقة 1
حالما تحط الرحال في مدينة جنيف السويسرية، إلا وتنبهر بجمال الطبيعة الخلاب الذي يبهر الأبصار حيث الخضرة التي تكسوها والبحيرة الوادعة التي تحيط بها المدينة المحاذية للجبال. فيما يثير انتباهك و فضولك حالة من الثقة والأمانة قلما تجد نظيرا لها في مختلف دول العالم. فعند مغادرتك لمطارها تستوقفك شدات من الورد معروضة للبيع وقد حدد البائع سعر كل واحدة منها وترك صندوقا جنبها، يضع كل مشتر فيه الثمن ويأخذ باقة الورد ويمشي، وبلا رقابة، بل الرقيب فقط هو الضمير. ويتكرر المشهد مرة أخرى قرب الفندق، حيث ترك بائع خضار عربته بعد أن حدد سعر البضاعة، وترك صندوقا جنبها لوضع المال.
وأنا في الطريق في اليوم التالي متوجها نحو مقر هيئة الأمم المتحدة لحضور اجتماعات الدورة ٢٧ لمجلس حقوق الإنسان، والتي عقدت بين الفترة ٨ و٢٦ من شهر سبتمبر الجاري، كانت أسئلة كثيرة تراودني عن تلك الاجتماعات، وما ستتمخض عنه، وإن كانت مجدية، وهل أن العمل الحقوقي مؤثر في حراك الشعوب أم أنه مجرد وسيلة للتخدير، وهل أن مثل هذا النشاط سيؤتي ثماره أم أن الحقوق تُنتزع ولا تعطى، ولابد للحصول عليها من تضحيات جسام، وليس عبر الخطب الرنانة والبيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وما إن تقترب من مقر هيئة الأمم المتحدة، إلا تصيبك حالة من الدهشة لرؤية كرسي ضخم قائم على الأرض، غير أن أحد دعاماته مكسورة! فسألت زميلي لم لا يصلحون هذا الكرسي؟ فقد ظننت بأن سيارة أو “أوتوبوسا” أو تراما خرج عن خطه فضرب أحد أرجله الأربع فكسرها. غير أن زميلي تبسم ضاحكا من قولي، وقال “هو هكذا كما أقامته الأميرة الراحلة ديانا في إطار حملتها ضد الألغام الأرضية”. فتساءلت في نفسي لما يرمز له هذا الكرسي. فهل هو كرسي الحكم الذي كُسرت أحد دعائمه؟ وهل أن المنظمات الحقوقية هي الدعامة المكسورة في الكرسي؟ أم أن حقوق الإنسان هي الدعامة الرابعة التي بحاجة إلى إصلاح؟
وكان لابد من العثور على جواب لتساؤلاتي بعد الدخول إلى مبنى هيئة الأمم المتحدة، لعلي أعثر على ما يشفي غليلي داخل الاجتماعات. ولكن، وقبل الدخول إلى مقر الهيئة، لابد من الحصول عى بطاقة الدخول، وهنا وقفنا في صف طويل كنا نظن إنه لن يستغرق وقتا طويلا قبل الدخول إلى المبنى والمشاركة في الاجتماعات، غير أن المفاجأة كانت في أننا وقفنا في الصف قرابة الست ساعات قبل أن نلج باب المنظمة.
كان صفا طويلا لممثلي المنظمات الحقوقية القادمة من مختلف دول العالم، لتشكو مظلوميتها أمام هيئة الأمم المتحدة. وإذا بالمنظمة الدولية تمارس الظلم بحق المظلومين! اذ بينما نحن واقفون في الدور، وإذا بأشخاص يبدو عليهم إنهم دبلوماسيون؛ يدخلون بسهولة ويُسر، ودون انتظار طويل، وعبر صف آخر جنبنا. وبينما نحن بانتظار الدخول، وإذا بوفد يتكون من قرابة العشر أشخاص يتوقف لبضع الدقائق، قبل أن يُسمح له بالدخول.
كانوا يتكلمون بلغة عربية وبلهجة خليجية فعرفنا بأنهم سعوديون، يتقدمهم السفير السعودي في سويسرا. وحينها زادت الشكوك حول حيادية الحكم الدولي، إذ كانت بداية غير مشجعة، حيث الأفضلية للظالمين على المظلومين. كان الصف حافلا بممثلي منظمات المجتمع الدولي، فهناك ممثل لجبهة البوليساريو وممثلين لمنظمة الدفاع عن حقوق ضحايا الإرهاب في إيران، وممثلين عن منظمات حقوقية مغربية.. وإلى آخر القائمة. وكل ممثل يشرح الظلامات التي تعرضوا لها.
والجميع بانتظار الدخول لإسماع صوتهم إلى ممثلي الدول الأعضاء، وبشكل مركز، وبوقت قصير لا يتجاوز الدقيقتين! خشية الا يثقلوا أسماع ممثلي الحكومات بسماع مظلومياتهم. فيا للعجب! شعوب مقهورة تمنح دقيقتين من الوقت للحديث عن معاناتها، والكل حائر من أين يبدأ، وأين ينتهي! وهو ما سأتحدث عنه في الجزء الثاني من المقال.