ساهر عريبيمقالات
مشاهدات من جنيف 2.. أوضاع حقوق الإنسان في السعودية
بعد المعاناة الطويلة التي تحدثت عنها في الجزء الأول من هذه المقالة حول استحصال بطاقة الدخول لمبنى هيئة الأمم المتحدة، نجحنا في الوصول إلى قاعة المؤتمرات البيضاوية. وهي القاعة التي تضم حلقات دائرية من المقاعد التي يجلس عليها ممثلو الدول الأعضاء، وبشكل تتجه فيه أنظارهم نحو المنصة الرئيسية التي يجلس عليها مديرو الجلسات. وأما ممثلو منظمات المجتمع المدني؛ فلا يحظون إلا ببضع مقاعد في مواجهة المنصة، وبانتظار دورهم لإلقاء كلمة تستغرق دقيقتين من الزمن، عليهم أن يختصروا خلالها الأزمان وعقوداً من القهر والاستعباد ليظهروا معاناة شعوبهم.
وأما ممثلو الدول؛ فلهم حق الفيتو ومقاطعة كلمة ممثلي المنظمات الحقوقية، علما بأن هذا الاستقطاع الزمني لا يتم تعويضه! فملاحقة الأنظمة القمعية للناشطين متواصلة، وحتى في قلب المنظمة الدولية، سعيا لطمس الحقيقة ولإسكات الأصوات المطالبة بالحرية والحقوق الإنسانية. وهكذا صدح صوت الناشطة الحقوقية القادمة من أرض الحجاز، سمر بدوي، زوجة الناشط الحقوقي المعتقل في سجون آل سعود، المحامي وليد أبو خير.
وقفت أمام المنظمة الدولية لتفضح انتهاكات آل سعود لحقوق الإنسان، تحدثت عن حقوق المرأة في السعودية، حيث لا يُسمح لها بقيادة سيارة، وعن اضطهاد النساء، وعن اعتقال الناشطين الذين بلغ تعدادهم قرابة ٣٠ ألف ناشط، وفقا لتقديرات منظمات حقوقية سعودية. وضربت بدوي مثلا على ذلك بزوجها وليد أبو الخير الذي صدر عليه حكم بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، وبمنعه من السفر لمدة مثلها، مع احتجازه في سجن يبعد عن عائلته بأكثر من ألف كيلومتر! تحدثت عن تعذيبه وعن ظروف سجنه السيئة.
كلماتٌ لم يطق المندوب السعودي لدى المنظمة الدولية سماعها، فرفع يده مقاطعا إياها مرتين. ادّعى في المرة الأولى بأنها تتحدث في أمور شخصية، وعن قضايا أصدر القضاء فيها حكمه، غير أن رئيس الجلسة رفض اعتراضه وسمح لها بمواصلة الكلام. من قال إنه محظور طرح ظلامات البشر ممن تصدر بحقهم أحكام جائرة في أنظمة قمعية؟! وهل تأسس مجلس حقوق الإنسان إلا لسماع آهات المظلومين؟!
استمرت سمر في حديثها تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مملكة آل سعود، وهنا حصلت المفاجأة! فقد بدأ أحد أعضاء الوفد السعودي، ممن يجلسون على مقاعد المراقبين، ويبدو عليه من سيماه إنه من موظفي الداخلية؛ بدأ يضرب الطاولة بيده بقوة، وكأنه يعطي الأوامر للمندوب السعودي ليقاطع سمر، وبالفعل، استجاب المندوب لأوامره ورفع يده مقاطعا سمر بدوي. وأما اعتراضه هذه المرة، فكان عن مدى أهلية سمر للحديث عن السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان، وهي التي تتحدّث ممثّلةً لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB )، وهنا رفض رئيس الجلسة اعتراضه، وأعلن بأن الإجراءات جميعها سليمة، ومن حق الناشطة الحقوقية إلقاء كلمتها أمام المجلس.
فشل الوفد السعودي في إسكات صوت امرأة شجاعة تكلمت بكل جرأة أمام العالم عن انتهاكات حقوق الإنسان في أرض الوحي والرسالة. وهنا لابد من الحديث عن منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية، ونشاطها البارز في اجتماعات الدورة ٢٧ لمجلس حقوق الإنسان، والتي عُقِدت في جنيف خلال شهر سبتمبر الماضي. فهذه المنظمة الحقوقية يرأسها الناشط البحراني الشاب حسين عبدالله ،ولم يمض على منحها الصفة الاستشارية من قبل هيئة الأمم المتحدة سوى بضعة أشهر، وهي الصفة التي تعطيها حق التداخل في اجتماعات المجلس. غير أن حضورها كان طاغيا في تلك الاجتماعات.
فالمنظمة، وبالرغم من أنها تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، إلا أنها أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن تلك الحقوق في السعودية. فهذا البلد وبالرغم من الحجم الهائل لانتهاكات حقوق الإنسان فيه؛ غير أن العمل الحقوقي ضعيف فيه ولاعتبارات شتى، وهو الواقع الذي دفع بالمنظمة إلى سد هذا الفراغ. فقد كانت هناك ٧ كلمات للمنظمة أمام المجلس تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.
وقد ألقى عدد منها ناشطون حقوقيون سعوديون أتاحت لهم منظمة أمريكيون فرصة لطرح مظلوميتهم أمام الهيئة الدولية. ومن هؤلاء الناشط حسن العمري، والناشط علي الدبيسي، فضلا عن سمر بدوي. لقد شكل نشاط هذه المنظمة مصدر قلق للوفد السعودي، الذي كان يجلس أعضاؤه يراقبون الفريق العامل في المنظمة، وحتى انتهاء اجتماعات المجلس في تمام الساعة السادسة مساء كل يوم، خشية أن يلقي أحد من أعضاء المنظمة كلمة حول السعودية.
وكان اللافت أن أحد أعضاء الوفد السعودي اقترب من سمر بدوي معاتبا إياها على كلامها بحق السعودية، قائلا لها بأن زوجها المعتقل “أخطأ وهو يدفع ثمن غلطته، لأنه وقف بالضد من ولي الأمر”! وأما خطأه فكان مطالبته بإطلاق سراح آلاف المعتقلين ممن لا ذنب لهم. وهنا لابد من الإشارة إلى أن منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان نظمت ندوة على هامش الاجتماعات حول أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، وقد حازت على اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية التي تعرفت عن قرب على أوضاع حقوق الإنسان في تلك البلاد. وأما عن نشاط المنظمة الحقوقي فيما يتعلق بالبحرين فأتركه للجزء الثالث من هذه المقالة.