مسار المعارضة البحرانية بعد التطبيع
رأي البحرين اليوم – خاص
لم يكن من المستغرب أن يؤدي اتفاق التطبيع الذي أبرمته العائلة الخليفية مع كيان الاحتلال في 15 سبتمبر الماضي بواشنطن، إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية والسياسية الغاضبة داخل البحرين وخارجها.
عشرات التظاهرات في مختلف القرى والبلدات البحرانية نددت بالإتفاقية التي تمثل خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وللشعب والدين. كما عبر البحرانيون عن غضبهم بإحراق علم الكيان الصهيوني جنبا إلى جنب مع صور حاكم البحرين حمد الخليفة، مؤكدين بذلك عدم شرعية الاتفاق الذي وقعه نظام يفتقر للشرعية الشعبية.
على الصعيد السياسي البحراني، أدانت معظم القوى السياسية البحرانية تلك الاتفاقية، ومن بينها جمعية الوفاق الوطني، ومختلف القوى الثورية، إلى جانب الرموز الوطنية، بل حتى الشخصيات المحسوبة على جناح الموالاة. وعندما حاول أحد أعضاء جمعية الوفاق التغريد خارج هذا السرب تعرض إلى حملة انتقادات واسعة أدت إلى إسقاط عضويته، ودفعته للإعتذار والإبتعاد عن المشهد السياسي والإعلامي.
هذه الوحدة في الموقف حيال التطبيع من قبل فصائل المعارضة البحرانية، تقود إلى تسائل يدور في الأوساط عن سبب غياب مشروع جامع لفصائل المعارضة المنقسمة منذ اندلاع ثورة 14 فبراير 2011.
لقد كانت أسباب التباعد بين قوى المعارضة تتمحور حول قضيتين أساسيتين، أولاهما هو الموقف من النظام الحاكم، فبينما كانت الجمعيات السياسية ترى أن سقف المطالب يجب أن لا يتعدى مطلب إصلاح النظام، معولة على إمكانية الحوار مع الإصرار على ذلك المطلب، فإن قوى أخرى كانت على النقيض تؤكد على أنه غير قابل للإصلاح ولاخيار أمام الشعب البحراني سوى بذل كل الجهود في سبيل إسقاطه.
وأما القضية الثانية في عدم اجتماع المعارضة فهي اعتقاد بعض الجماعات السياسية بأن القوى التي تطالب بإسقاط النظام، تعتمد خطابا “ متطرفا” وغير مقبول في الأوساط المحلية والدولية، بل إنه سبب بحسب ذلك الإعتقاد لعدم تفاعل بعض الأطراف الدولية المؤثرة في دعم الحراك الشعبي نحو التغيير في البحرين. كما ذهب بعضهم لاتهام القوى الثورية بالتناغم مع أطراف دولية تزيد المشهد تعقيدا كالإنفتاح على الجمهورية الإسلامية، وسعت بعض الشخصيات جاهدة لتفنيد هذه التهمة والتأكيد على النأي بنفسها عن ذلك المحور.
لكن اتفاقية التطبيع أفرزت واقعا جديدا في المنطقة وفي البحرين بشكل خاص. أبرز معالم هذا الواقع هو أن المائز بين الجمعيات السياسية والقوى الثورية قد تلاشى بشكل كبير، بل إن كبرى الجمعيات السياسية فاقت القوى الثورية في الإنفتاح وبناء علاقات مع جماعات تصنف ب”الإرهابية” ومنها حركة حماس والجهاد الاسلامي اللتان اجتمع نائب رئيس جمعية الوفاق الشيخ حسين الديهي بزعيميها معربا عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وإدانته للتطبيع.
ولم يعد خافيا أن تطورات الأحداث، والضرورة اقتضت أن تخرج جمعية الوفاق عن تحركاتها المؤطرة لتنطلق إلى عالم أرحب حاملة مع قضية شعبها قضية امتها، بعد أن كانت ملتزمة بخطاب ناعم طمعا في عدم قطع شعرة معاوية مع الولايات المتحدة ومع المملكة المتحدة، وهما البلدان المؤثران في الشأن البحراني والخليجي عموما.
هذه المواقف يفترض أن تردم الفجوة القائمة بين طرفي المعارضة، بما يدفعهما إلى التقارب وطرح مشروع جامع ومتكامل يضع رؤية موحدة لكيفية التعامل مع النظام القائم في البحرين وتحديد الخيارات الاستراتيجية المناسبة لإدارة دفة المعركة مع النظام من أجل تحصيل حقوق الشعب المنتهكة.
ومع إندكاك النظام في المشروع الصهيوني وخيانته للقضية الفلسطينة وللشعب البحراني الذي عرف عبر تاريخه بنصرة القضية الفلسطينية، فإن هذا النظام قد أكد مرة أخرى على ألا شرعية له. فقد فتح أبواب البلاد أمام الصهاينة الذين ستجول أجهزة مخابراتهم وتصول في البلاد. وكانت أولى بواكير ذلك هي زيارة رئيس الموساد الإسرائيلي إلى المنامة، قبل أيام معدوة من انطلاق تظاهرات جمعة الغضب ضد التطبيع. وكانت السلطات الخليفية واضحة في تأكيدها على أن هدف الزياة هو تعزيز التعاون الأمني مع الصهاينة!
لذلك وفي ظل الواقع الجديد، يستنتج المعنيون على أن أي خطاب يلتمس الحوار مع النظام في المستقبل، سيعني إضفاء الشرعية على التطبيع واعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، وهو أمر يتعارض مع متبنيات الجمعيات السياسية من القضية الفلسطينية. لكل ذلك فإن خيانة التطبيع أثبتت مرة أخرى للبحرانيين وأشقائهم العرب والمسلمين بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح وأن أي محاولة للتقارب معه أو التصالح ستندرج في دائرة الخيانة لدماء الشهداء وللثورة وللقضية الفلسطينية التي يعمل النظام الخليفي على تصفيتها.
واقع يستوجب على الجمعيات السياسية ان ترفع سقف مطالبها أولا، وأن تتخندق مع اخوة النضال في القوى الثورية ثانيا، لتشكل قوة منيعة في مواجهة مشاريع المشروع الخليفي الذي يستهدف السكان الأصليين ومعتقداتهم بالإحتماء بالصهاينة وداعميهم.