مثلث الثورة البشري: تكامل الأدوار وتمرير الغضب

ناسُ الثّورةِ، العاديون تحديداً، هم أولئك الذين يصنعون للثّورةِ رمزيّتها، وقوّتها. حجّي مجيد (صمود)، مثلاً.
الذين يخرجون من هالة النّخبة والأكاديميا إلى فعل الثّورة واستحقاقاتها؛ هم أعرفُ بمعنى الصّمود. ليس غريباً أنّ الدكتور عبد الجليل السنكيس، هو منْ اخترعَ، ربّما، المعنى التّداوليّ لكلمة: “صمووود”.

بين حجّي صمود والدكتور السنكيس يمكن الوقوف عند واحدةٍ من الإجراءات التي تقوم بها الثّورة في سبيل الإبقاء على قوّتها، وإمداد ذاتها بالجاهزيّة والتجهييزات المطلوبة.
تبدأ الثورةُ بموقف الرّفض. وهو موقفٌ، بطبيعته، ذو طابعٍ نخبويّ، يتطلّب أولاً الوعي بالخارج، وتصميم مسافة معه، وبناء علاقة معه تقوم على الرّفض والازدراء.
في الحال العامةِ، لا يتطوّرُ هذا الموقف إلى أكثر من ذلك. يبتكر النّاسُ طرائقهم في إخراج السّخط، وتمرير الغضب، وبأشكال مختلفة، ولكنهم لا يندفعون أكثر في ابتكار الطّرق الأكثر إيلاماً لمفاصل القمع والاستبداد. يأتي الشّبان بهذا الدّور على أكمل وجه، بالاستفادة من شُحنة التطلّع الثّوري لديهم، والمعرفة الوسطى التي يحظون بها. من هؤلاء، تستمدّ الثّورة أهم عناصر استمرارها، وقدرتها على إرهاق الكمائن والعوائق التي تُنصب لها.

ثمّة أمر آخر مهمّ، ويبدو غير ظاهر، يقوم به الشّبان في أوقات الثّورة. يُوفّر هؤلاء الجسْر البشري بين عموم النّاس، وطبقة النّخبة. ينقلون إلى كلّ طرفٍ ما يحتاجه الآخر، ويُصبحون بمثابة المرآة الكاشفة بين الطرفين. يسمعُ النّاس أفكارَ النّخبة، ومشاريعها، من شريحة الشّبان الذين يتواجدون في أماكن المعلومة والحدث المباشر. وتتلقّى النّخبةُ أصوات النّاس عبر الكلمات التي يصوغها الشّبان ويعملون على نشْرها بوسائلهم المتاحة.
ما يميّز الثّورة في البحرين هو أنّها تكاد تكون الأكثر وفرةً، ونضوجاً، بهذا المثلث المرجعي.

ناسُ هذه الثّورة وعوامّها؛ ليسوا فقط وعاءاً للأفكار، أو حشْداً تُمرَّرُ من خلاله المشاريع، وكيفما كانت. إنّهم – وبفضل حيويّة الجدل بين الأطراف – يأخذون من النّخبةِ أشياءها، ومن الشّبان أشياءهم. ليس غريباً، بعد ذلك، أن نجد عموماً من النّاس فيهم ما في الشّبان من وهجٍ، وعفويّةٍ، وشدّةٍ في الحسْم والموقف، وأنْ يكونوا، في الوقتِ نفسه، قادرين على السّؤال النقدي، وصناعة الإقبال والإدبار أمام السياسيين وغيرهم.
ما يُوفّر النّجاح لهذا الإنتاج هو وجود الأرضيّة الصّالحة في ناسِ الثورةِ وشّبانها ونُخبها. ناسٌ، مثل حجّي صمود، ونُخبٌ مثل الدكتور السّنكيس، مع شّبانٍ كهؤلاء الذين يُنيرون سماء البحرين وأرضها كلّ يومٍ وليلة؛ هو ما يُعطي الاطمئنان الجازم بأنّ هذه الثّورة ليست كغيرها، وأنّ خاتمتها ليست كخواتم الثّورات الأخرى.