مثقفو “التيار الموالي” في القطيف: فشل في اختبار المواقف.. وهزيمة أمام حملات التحريض ضد النشطاء
البحرين اليوم-متابعات
رغم نفي النشطاء المطلوبين في منطقة القطيف، شرق السعودية، للاتهامات التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية الأحد الماضي، إلا أن “الطابور النخبوي” من الأوساط والشخصيات بالمنطقة سارعت إلى التبني المفتوح للحملة الرسمية الموجهة ضد النشطاء والمطلوبين السياسيين، وارتأت هذه الأوساط ترديد “القاموس” الاتهامي المسبق الذي يقول نشطاء بأنه قد يكون “مقدمة” لتصفية جديدة يخطط لها آل سعود ضد المطلوبين المطاردين.
وقد اعتاد النظام السعودي بين فترة وأخرى على تجييش حملات مضادة ضد النشطاء والمعارضين في القطيف، ولاسيما بعد الإدانات الحقوقية والأممية التي تصدر ضد انتهاكاته لحقوق الإنسان. وقد ارتبط إطلاق مثل هذه الحملات بتخطيط مسبق لتنفيذ انتهاكات معينة والإقدام على خطوات جديدة من التصعيد ضد المعارضين. ولهذا السبب، أبدى معارضون استياءهم من مسارعة بعض الشخصيات المحلية، وبينهم “معارضون سابقون” للنظام، نحو المشاركة في حملات النظام ضد النشطاء، رغم أن أهداف هذه الحملات “غير خافية على الجميع”، وأنها قد تكون توطئة لارتكاب جرائم غير محسوبة، وهو ما يدفع البعض لعدم التردُّد في الحديث عن “إخلاص” هذه الطبقة الاجتماعية لمكاسبها الشخصية من الوضع القائم، واستمرارها في الالتحاق بالمسار الرسمي تحت دعاوى عدة غير مقنعة للكثيرين.
الصحف الرسمية في السعودية نشرت اليوم الأربعاء، ٢ نوفمبر، مواقف لعدد من هذه الشخصيات التي ذهبت بعيدا في “الأخذ” بقاموس النظام وأسلوبه المعروف في التحريض على النشطاء، وظهرت هذه الشخصيات وكأنها تغمض العين عن حقيقة ما يجري على الأرض، بما في ذلك المداهمات العسكرية والاعتداءات الدورية التي تقوم بها القوات السعودية ضد الأهالي والنشطاء، وخاصة في بلدة العوامية التي شهدت يوم أمس الثلاثاء مداهمات جديدة روعت الأهالي وطلبة المدارس، وهي اعتداءات سبق أن أسفرت عن سقوط العشرات من الشهداء والجرحى وتخلّلها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحرمات المنازل وممتلكات المواطنين، وهو ما تم توثيقه في عشرات التقارير المصورة وشهادات الأهالي والضحايا.
التصريحات التي نقلتها صحف آل سعود عن ذوي “المصلحة الشخصية” كما يصفهم البعض؛ سجّلت “تثبيتا أعمى” للاتهامات الرسمية الجاهزة بحق النشطاء في العوامية والزعم بأنهم يقفون وراء استهداف الشرطة، ودعوا الأهالي بالقطيف للعمل “مخبرين متطوعين” لدى الأجهزة الأمنية لملاحقة النشطاء والتبليغ عنهم، وهو الأمر الذي جاء متعارضا مع “النداءات” التي وجهها النشطاء الذين وُضعوا في القائمة الأخيرة من المطلوبين الأحد الماضي، والذين أكدوا في بيانات منفصلة رفضهم للاتهامات ضدهم، واستنكارهم لها، كما دعوا منْ وصفوهم بالوجهاء و”أصحاب الكلمة والدين” لنصح المسؤولين السعوديين بالكف عن الاعتداءات والانتقام من الأهالي. إلا أن ميزان “المصالح الشخصية” لشريحة واسعة من “المثقفين” و”المعارضين السابقين”؛ كان الجانب المرجح عند هؤلاء الذين فضلوا الصمت إزاء الجرائم المستمرة لآل سعود، وقدموا تكرارا شهادات “براءة” للنظام.
الباحث السياسي والمعارض فؤاد إبراهيم استهجن من بعض الأقلام التي فضلت الاصطفاف مع النظام في وجه النشطاء وأهالي القطيف، حيث قال بعضهم بأنهم “لن يسمحوا باختطاف القطيف”. وقد سخر إبراهيم من هذا الخطاب الذي “يُضحك الثكلى”، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن آل سعود يعمدون إلى رمي مشاكل الإرهابيين الذين شبّوا بينهم؛ على غيرهم، وأضاف بأن “أقصى غاية بعض الكتبة (هو) تبييض ذمة الإرهاب الداعشي”.
إلى ذلك، ذهب ناشطون إلى أن “البيئة” الموالية لآل سعود في منطقة القطيف فشلت في أكثر من اختبار “حاسم”، وانكشفت حقيقة ادعاءاتها و”مشروعها الإصلاحي” بين الناس، ولاسيما في اختبار إعدام الشيخ نمر النمر يناير الماضي، واعتقال الشيخ حسين الراضي مارس الماضي. ويؤكد ناشط بارز من العوامية بأنه رغم عدالة قضيتي الشيخ الشهيد النمر والشيخ الراضي، إلا أن الوجوه “الثقافية” و”الدينية” من “موالي القطيف” لم تسجل أية مواقف “صريحة” في الانتصار للشيخين النمر والراضي، وأضاف “ظهر في هذا (المحك) أن الدعاوى الثقافية والوطنية والعقلانية التي يتستر خلفها هؤلاء لم تكن سوى أقمصة لإخفاء روابط المصلحة الشخصية التي تربطهم بالنظام”، مشيرا إلى “فشل” التيار الذي يمثله هؤلاء في إقناع عموم الجمهور القطيفي بجدوى رهانهم في “الالتحام” بالنظام والارتباط بمؤسساته، حيث لم يستطع هذا التيار “الإصلاحي” – بحسب التسمية التاريخية لرموزه – إنجاز حق المواطنة لأهالي المنطقة الشرقية ومنْع التكفير “الرسمي” الذي يتعرضون له، كما فشل في وقْف تعديات القوات ضد الأهالي، والأهم من ذلك فإن وجوه هذا التيار ورموزه لم يسجلوا “أي تضامن حقيقي” مع كوادر ونشطاء محسوبين عليه جرى استهدافهم بالاعتقال والأحكام القاسية بسبب ممارستهم لحرية التعبير والانتقاد السلمي.
في النتيجة، فإن تيار “الموالين” من القطيفيين والأحسائيين أخلصَ، أكثر من مرة، انتماءه لخيار الانصياع للأمر الواقع الذي يحدد تفاصيله النظام السعودي، وظهر للأهالي بأنه لم يقدّم ما يثبت “صدق” شعاراته “الوسطية” و”الإصلاحية”، وانتهى لأنْ يكون “أداة” يستعملها آل سعود لتبرير سياساته وخططه الأمنية وفي التغطية على الانتهاكات المنظمة ضد نشطاء الحراك المطلبي في القطيف. في المقابل، يؤكد المتابعون للشأن المحلي بأن هذا “التيار” لم يعد يملك “ثقلا” حقيقيا في الشارع العام، وقد فقد قدرا غير قليل من المصداقية بعد صمته عن جريمة إعدام الشيخ النمر التي كان يُفترض – كما يقول أحد المعارضين – أن تتحول إلى “هزة فكرية ونفسية في الواقع المحلي الديني والثقافي والشعبي”، إلا أن انكفاء وجوه “التيار الموالي” داخل الحاضنة “الرسمية”؛ أفشى الفروق غير المحدودة بين الشعارات الشكلية التي تتدوالها نخبة “التيار الموالي”، وبين المواقف الحقيقية التي لم تتردد في تسجيلها النخبة “الصالحة” من أمثال الشيخ حسين الراضي، وبقية علماء الدين الذين يرزحون في سجون آل سعود.