متابعات: ماذا لو تحول الأسطورة رضا بوحميد إلى نموذج للفصائل السياسية؟
البحرين اليوم – (خاص)
متابعات
ما وراء الخبر
يواصل البحرانيون إحياء ذكرىات وأحداث ثورة 14 فبراير، ويتوقف المواطنون اليوم 19 فبراير مع ذكرى “الأسطورة” الشهيد رضا بوحميد الذي تقدّم صفوف المتظاهرين باتجاه دوار اللؤلؤة في مثل هذا اليوم من العام 2011، مواجهين دبابات آل خليفة، وبعد يومين من تنفيذ القوات الخليفية جريمة “الخميس الدامي.
ومع إحياء البحرانيين لذكرى الشهيد بوحميد، والبدء في إطلاق تظاهرات إحياء ذكراه؛ فإنّ هناك منْ يرى أن مفعول هذه “الأسطورة” لم يتم استلهامها كاملةً، وأن “جزءاً من الظلم تجاه الشهداء، يقع في هذه المساحة من سوء التعاطي والإحياء”.
الزّحف الجديد الذي سجّله هذا التاريخ، يراه ناشطون مرجعاً مهماً لفهم سيرة الثورة البحرانية وكيف أنها “غير معنية دائماً بالحسابات السياسية الضيقة، أو المراجعات التي تمر مرّ السحاب”.
في هذا اليوم، اتخذ المواطنون قرارا أساسياً بالتوجه إلى دوار اللؤلؤة، بعد جريمة “الخميس الدامي” التي غدر فيها الخليفيون بالمعتصمين في الدوار فجراً، وأسفرت الجريمة عن سقوط أربعة شهداء.
في حدث الفتح الجديد لدوّار اللؤلؤة، يبرز قادة الفتح الذي تصدّرهم الشهيد رضا بوحميد. في المعادلة هنا، لم يكن ثمّة تخطيط “إستراتيجي” نظري، أو اجتماع مسبق. المعادلة الشعبية كانت واضحة منذ البدء، وكان القرار ثابتاً بأن ما يجري هو “ثورة” والحراك فيها مناط ب”اللا مركزيّة”، كما قال أكثر من مرة الأستاذ عبد الوهاب حسين، مفجّر الثورة، ورمزها الفكري.
بالعودة إلى ذلك التاريخ، كان من الواضح أنّ الجيش الخليفي اتخذ قراره بالنزول إلى الشوارع لمواجهة الثورة. حمد الخليفة حرص على الظهور على الشاشة مرتدياً زيّ القتلة، وعشية اقتحام الدوار تحديدا.
أحد النشطاء يُعيد قراءة هذا الحدث، ليؤكد بأن تسلسل “القمع الخليفي” كان يؤكد “أولا أن حمد هو المسؤول الأول، وثانيا أن القتل هو القرار الذي تم اتخاذه، وثالثا أن أكذوبة الحوار ودفْع سلمان حمد الخليفة كان لعبة من جهة وكان هروباً من الضغط الميداني الذي فجّره دماء الشهداء”.
معارض بارز يقول ل”البحرين اليوم” بأن كلّ “المعطيات على الأرض كانت تقول بأن النظام ساقط، أو على حافته الأخيرة”.
ويشير المعارض إلى أنّ “التلقائية المدروسة والمتتابعة للحراك الشعبي، والحرص على استلام الشوارع، وعدم السقوط أو النكوص أمام وجع الضربة الأولى، (كلّ ذلك) سرّع من نجاح الفعل الثوري آنذاك، وكان ذلك مفتاحاً لتهاوي مفعول البطش الخليفي، وتفريغ معنى القمع والقتل وعدم إمكان صرْفه في السياسة وفي تخويف الناس”.
يضيف المعارض بأنّ هناك عنصرين أحدهما سلبي وآخر إيجابي أثرا في تثمير “الفتح الثاني للدوار”، ولاسيما وأنه جاء عبر مشهدية هزت العالم، وهي “السلمية الثورية، والإصرار على مجابهة الدبابات بالأعلام والصدور العارية”.
وهي المشهدية التي أخذت مفعولها المعنوي مع الإقدام الذي بزر به الشهيد رضا بوحميد، وظهوره الخاص في عملية الزحف كاشفا عن صدره، ومتقدّما الزاحفين، وما تلا ذلك من تساقط الجرحى، وتسرّب الدماء إلى أيدي المتظاهرين. ليكتمل المشهد مع رمز “السلمية الثورية” الآخر، علي صنقور، الذي تصدّر الحدث في حينه إلى جانب بوحميد، وكان صنقور بمثابة الامتداد المعنوي للدلالة الثورية التي جسّدها الشهيد بوحميد، وطبّقها صنقور عملياً في أكثر من حدث ومرحلة من مراحل الثورة، إلى أن تم استهدافه والانتقام منه والحكم عليه سنوات ظالمة.
أمام ذلك، كان يُفترض – والحديث للمعارض الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه – حصول “إجماع سياسي” على السلوك الثوري الذي عبّر عنه الزحف نحو الدوار، وأن يؤخذ نموذج بوحميد وقادة الزحف الآخرين باعتبارهم “المنهج الذي يجب التمسك به”.
في المقابل، فإنّ المعنى الآخر الذي ينطوي عليه تتالي إجرام الخليفيين “بدءا من قتل علي مشيمع، وفي اليوم التالي فاضل المتروك، وبعدها شهداء الخميس الدامي، وقتل بوحميد وإطلاق الدبابات النار على الزاحفين للدوار”، كلّ ذلك يعطي خلاصة واضحة تؤكد على أن “بنية النظام الخليفي قائمة على القتل، وأن تحريك الحوار حينها كان تكتيكاً، ومحاولةً للهروب من الانكشاف، والتفافا على الحث (وليس الضغط) الخارجي”.
كانت مشكلة فصائل المعارضة السياسية في ذلك الوقت؛ هو أنها تعاطت مع “سلمان الخليفة” على أنه “داعية للحوار”، وأنه يمثل “مبادرة جدية من النظام الخليفي”، وهو ما دفع تلك الفصائل لأن تتعاطى مع الحدث الثوري آنذاك على أنه “ضغط شارع، يتم استثماره في تعزيز طاولة التفاوض”. في الوقت الذي كان “الضغط الثوري” حينئذ في زخم متنام، “وكان في حجم يتطلب توظيفه في اتجاه ملامسة الشعار الحقيقي للثورة وهو “إسقاط النظام”.
وفي حين كان “التحالف من أجل الجمهورية” محاولة لأجل استلام هذا الدور، وأخذ الثورة باتجاه أهدافها الحقيقيّة، إلا أنّ تماهي الأطراف المعارضة الأخرى في “سقف التفاوض مع النظام”؛ سيكون له أثره المباشر – بعد نحو شهر من تلك الأحداث – في “كشف ظهر” من أُطلق عليهم بالمطالبين ب”الجمهورية”، ودفْع حدث 14 فبراير للوقوع في تعتيم إعلامي مركز واختصاره في مطالب “الإصلاحات” – وبدرجاتها المتفاوتة – وهو التعتيم الذي يمكن الوقوف عنده مع قراءة التقارير وأخبار الوكالات التي تغطي الثورة وأحداث البحرين منذ ذلك اليوم وحتى الآن، حيث يُغيّب الشعار الأصيل للثورة، ويجري تكريس التوصيف “الناعم” لما يجري في البحرين على أنها “احتجاجات متفرقة مع مناوشات أمنية” في القرى من ناحية، وأن هناك “جمعية معينة” تتزعم المعارضة تطالب ب”الإصلاحات” من ناحية أخرى.
أحد متابعي الأحداث في البحرين يذهب إلى أن هذا “التعتيم المبرمج” لأهداف الثورة وشعاراتها؛ كان “مدروساً”، وتسبّب في “تصعيب الأمور أمام شرْح المعادلة الثورية المستمرة في البحرين”، ولاسيما مع إدخال الجدل حول “العنف” في سياق الموضوع، وتوجيه اتهامات مباشرة وغير مباشرة للحراك الثوري المؤمن بإسقاك النظام؛ على أنه ينتمي إلى دائرة “العنف” المنبوذ من أطياف الجمعيات السياسية، التي لا تزال تؤمن بالعقل السياسي الذي تجمّد عند لحظة الخدعة التي ظهر فيها سلمان الخليفة في مثل هذا اليوم من العام 2011م. لقد غاب سلمان، ولكن العقل المُشار إليه لازال يعملُ في الوسط السياسي المعارض، وكأنّ أسطورةً مثل رضا بوحميد لم تظهر في الميدان، ولم تفعل ما فعلته في الدبابات الخليفية!