متابعات: ماذا بعد أن اجتاز الشيخ الراضي “المنطقة المحظورة؟!
البحرين اليوم – (خاص)
متابعات..
ما وراء الخبر
يسود أوساط قريبة من الشيخ حسين الرّاضي ما يُشبه “الحذر” من أيّ إجراء مرتقب قد تُقدِم عليه السلطات السعوديّة ضده، وذلك بعد خطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها الشيخ الراضي في مسجد العمران بمنطقة سيهات، شرق السعوديّة، وتحدّث فيها – لأول مرة – وبشكل علني عن رفض صريح للعدوان السعوديّ على اليمن.
الشيخ الراضي، الذي يحتل رتبة آية الله، ويُنظر إليه باعتباره من أبرز المحقّقين (حقّق كتاب “المراجعات” للسيد عبد الحسين شرف الدين)، برزَ بشكل لافت بعد إعدام آل سعود للشيخ الشهيد نمر النمر، في 2 يناير، وألقى الراضي كلمة في خطبة الجمعة ندّد فيها بجريمة الإعدام، ووضع الخطوط العريضة “المفصليّة”، ليس فقط لجهة فضْح “مبررات” الإعدام، ولكنّه أعطى ما يُشبه “الشرعية” للسيرة الجهاديّة التي تميّز بها الشيخ الشهيد، وثمّن دوره الذي خرقَ به كلّ “تقاليد التحفّظ” المعروفة في أوساط علماء الدين في المنطقة الشرقية والبحرين، وخاصة لجهة “الدبلوماسية” في التعاطي مع جرائم النظامين الخليفي والسعودي، وفي استلهام طبيعة “الشعارات” التي يصدح بها المواطنون في تظاهراتهم الاحتجاجية.
فوجيء مراقبون بالظهور “الجريء” للشيخ الراضي، الطاعن في السّن، والذي ينتمي إلى محيطٍ يُوصف بالتيار المحافظ دينيّاً. وذهب البعض إلى تصنيف خطبته بشأن الشيخ النمر على أنها “ردة فعل” مؤقتة، ولن تأخذ مدى أوسع، ولاسيما وأن الجريمة أخذت صدى كبيراً في الأوساط المرجعيّة والسياسيّة والحقوقيّة والإعلاميّة في العالم، فكان من الطبيعي أن تُحرّك الكثيرين. إلا أنّ خطبة الشيخ الراضي يوم الجمعة الماضي، 29 يناير، فرضت إعادة النظر في نظرية “رد الفعل” حيال المواقف غير المسبوقة التي “هزّ” بها أوساطاً “حكومية” و”أهلية” على حدّ سواء، وامتدت من المنطقة الشرقية إلى البحرين، حيث التلازم بين المنطقتين في أكثر من اتجاه.
يمكن فهْم “الجرأة” التي تحلّى بها الشيخ الراضي من ناحية، واستيعاب “الخشية” التي تسود الأوساط المحلية من أي إجراء ضده من ناحية أخرى؛ مع التذكير بأنّ خطبة الشيخ لم تتوقف – هذه المرة أيضاً – عند حدود “إعلان الموقف” الرافض للحرب على اليمن، وإنما ذهب الراضي بعيداً في “تفكيك” الخطاب السّعوديّ الذي جرى تسويقه لتبرير الحرب، واستند الشيخ الراضي إلى الكتاب والسنة في نقض هذا الخطاب، ووظّف الجدلَ المنطقي في إظهار “تهافت” التبريرات السعوديّة، وبما في ذلك تبرير “إعادة الشرعية” إلى اليمن وإحلال “الديمقراطية”، حيث أكد الشيخ الراضي بأنّ “فاقد الشيء لا يُعطيه”.
ومنذ إعلان العدوان السعودي على اليمن في مارس 2015م، التزم علماء الدين الشيعة في المنطقة الشرقية والبحرين – على وجه الخصوص – الصمت حيال ذلك. في السعودية، ارتأى الموقف الشيعي العام عدم الخوض في هذا الموضوع للحيلولة دون “تثبيت” تهمة الطائفيّة ضده أو النخر في ولاء الشيعة للخارج، وخاصة وأن آل سعود عمِدوا إلى طبْع عدوانهم على اليمن بالطابع “المذهبي”، واستعملوا كتلة من المفردات الخطابيّة التحريضية في هذا السياق، مع تعمُّد زجّ إيران في كلّ تفاصيل الملف اليمني.
وفي البحرين، كان الصمت في صفوف النخبة العلمائية والسياسيّة “مبرَّرا” لدى البعض على خلفية التهديد الواضح الذي بادرَ الخليفيون إلى الإعلان عنه ضدّ كلّ منْ يُعلِن معارضته للعدوان على اليمن، وجرى تجيير “القوانين” الخليفية المناسبة لفبركة الاتهامات ضدّ منْ يجرؤ على ذلك، كما حصل مع المعارض السياسي فاضل عباس، المحكوم 5 سنوات بتهمة إصداره بيان معارض للعدوان، وكذلك الحال مع الناشط الحقوقيّ نبيل رجب الذي اعتقل بسبب “تغريدة” عبّر فيها عن رفضه للحرب في اليمن.
الخليفيون والسعوديون استفادوا من “الاستجابة الحذرة” التي أبداها رجال الدين والسياسيون حيال “منع” إعلان الموقف في موضوع الحرب على اليمن. ومضى آل خليفة وآل سعود في تثبيت معادلة “الترهيب” في أكثر من ملف وقضيّة داخلية وخارجية، ونجح الأمر مجدّدا في البحرين مع تهديد الخليفيين من أيّ “اعتراض” على إعدام الشيخ النمر، وتنفيذهم لهذا التهديد باعتقال عدد من المعترضين، وبينهم الطبيب الدكتور سعيد السماهيجي، حيث لجأت الطبقة الدينية والسياسية في البلاد للإحجام عن إعلان “أي موقف” معارض لجريمة الإعدام، فيما انفرد الشارع الثوري في التعبير عن هذه الإدانة، وبأقوى العبارات والفعاليات، كما هو الحال أيضاً مع العداون على اليمن.
الشيخ الراضي لم يكتفِ بتمزيق الصّمت في موضوع الشيخ النمر، وهو أمر قام به آخرون من الشرقية، وبينهم الشيخ عبد الكريم الحبيل، إلا أنّ الراضي تميّز في كونه دخلَ المنطقة “المحظورة” التي لم يتجرأ أحد من العلماء أو السياسيين أو النشطاء في السعودية وفي البحرين على اجتيازها، أي موضوع الحرب على اليمن.
يفضل البعض “انتظار” الموقف القادم للشيخ الراضي، وعدم “الحماسة” كثيراً، إلا أن آخرين يؤكدون بأنّ ما قاله الراضي لا يحتمل انتظاراً أو اختباراً للمزيد، وإنما الانتظار المفترض هو ترقُّب ردّ فعل آل سعود الذين يمرّون هذه الأيام في مرحلة عصيبة من “الفجور السياسيّ والأمني” كما يقول ناشطون.