متابعات: عودة بسيوني إلى البحرين.. بساط آل خليفة

متابعات

ما وراء الخبر

“الخطأ الأوّل يستدرج الأخطاء الأكبر” .

عندما حلّ شريف بسيوني البحرين، قبل خمس سنوات، كان كثيرون يتوقعون أن أمراً “عظيماً” سيأتي معه. وقعَ بسيوني، منذ البداية، في الخطأ الذي يكشف سرّه. “المحقق” الدّولي الذي كان يُنتظر أن يرأس لجنة “أممية” لتقصّي الحقائق، انتهى به الحال لأن يقبلَ أن يكون على رأس لجنة “ملكية”، مهمّتها “إحصاء” الانتهاكات، ووفق المقاس والحدود التي وضعها النظام الذي عمِل تحت عباءته، وشاركه في أداء التمثيليّة الأكبر سخريةً في تاريخ “المحققين الدوليين”.

عودة بسيوني اليوم إلى البحرين، وتكريمه من الخليفيين بالأوسمة وملحقاتها؛ هي عودةٌ إلى الوراء، وهي عودةٌ ستكون – في يوم ما – مادةً تثير إغراء البحث المعمّق حول طبيعة المحقّق “الدّولي” الذي يرضى أن يكون عاملاً/ موظفا في التحقيق بانتهاكاتٍ ارتكبها النظامُ الذي دخل البلد من بوّابته، وخرج منه عبرها، وعاد إليه أخيراً من ذات البوّابة “الملكية”.

السؤال الذي يشغل المهتمين بتحليل شخصية بسيوني؛ هو مقدار “العطاء الجزيل” الذي يستحق أن يُضحي المرء بتاريخه من أجله، وكيف يمكن أن تكون خاتمة المختص في تقصّي الحقائق؛ شبيهةً بخاتمة القاتِل الذي يفتح جيبه لتلقّي المزيد من “الجزاء الوفير”، بعد تنفيذ “جريمته الكاملة”.

يتردد البعض في تأييد استنطاق “عودة بسيوني” من خلال نظرية “الشراء”. يتحدث هؤلاء عن “اكتفاء” الرّجل ماديّاً، وحرْصه الأكيد على تاريخه الرمزي. تبدو هذه النظرية، وفق هؤلاء، قاصرة عن استيعاب حقيقة المَيَلان المتكرر من بسيوني لجهة لنظام الذي كشف تقريره، القاصر أصلاً، عن انتهاكاتٍ أوقعها النظام وبما لا تسمح – هذه الانتهاكات المكشوفة – لأقلّ رجل قضاء أن يتساهل أو يتردد في توقيع الإدانة ضد النظام، من أعلاه إلى أسفله. ميلُ بسيوني باتجاه محراب آل خليفة؛ ليس سقوطاً في الرّشوة العابرة، وهو بالتأكيد ليس إنقلاباً قام به بسيوني على نفسه.

لقد فعلَ بسيوني، بعودته الأخيرة، ما كان منطقياً من رجلٍ أمضى عدة أشهر في البلاد، وفي الفترة التي كانت الجراحات تنزف ولمّا تندمل، ولكنّه خرج بتقريرٍ متحايل، اعتمد على منطق “إحصاء الانتهاك” في حدِّه الأدنى من جهة، و”إغماض العين” عن الانتهاك في حدّه الأعلى من جهة أخرى.

حيلةٌ استطاع بسيوني بها أن يُرضي “المتوقَّع المسبق” منه، ولكن من غير أن يقطع الحبلَ مع النظام وداعميه. هنا، ليس هروباً إلى الأمام، التأكيد على أن عودة بسيوني إلى البحرين هي محصّلة أو حصيلة لتأجيج حلفاء الخلفيين قوّتهم ضد ثورة البحرين، ولن يكون دخولاً في الخيال، الإشارة إلى زيارة حمد الخليفة الأخيرة إلى مصر، وزيارته الجديدة إلى سويسرا، للتأكيد على ما يتداوله سياسيّون من أنّ “ضيق الخناق” الذي يواجه الحلف السعودي في المنطقة؛ يدفعه للمراهنة مجددا على إحراز نقاط لصالحه في حال أنجز سحقا جديدا في البحرين، تماما كما كان الحال في 2011 حينما توجهت قوات درع الجزيرة إلى دوار اللؤلؤة والبدء في مشروع الاجتثاث.

جاء بسيوني لضخ الحياة في هيكل نظام كان يفترض أن يسقط في مارس 2011م.

أكمل بسيوني المشروع السعودي في إنقاذ الخليفيين، وكما أخفق المعارضون في مقاربة الدور السعودي العسكري، فإنهم أخفقوا بالتوالي في التعاطي مع أدوات الإنقاذ المتوالية التي وفرها داعمو النظام، من السعوديين والبريطانيين والأمريكيين، وبسيوني وتقريره هو جزء من هذه الأدوات.

الجزء الأهم في حكاية بسيوني هو موقف المعارضة.

لم تترك بيانات المعارضة فرصة دون الإحالة إلى تقريره والاستشهاد به، حتى أضحى واحدا من المرجعيات الثابتة في عملية الاحتجاج ضد الحكومة.

كان يمكن تفهم المحايلة في حال المشتغلين في حقوق الإنسان، حيث الاهتمام لديهم موجه نحو الآليات والتقارير الفنية، ولكن الأمر بالنسبة للمعارضين السياسيين سيكون محاطا بما هو أكثر من الريبة والتشكيك في الأهلية، وهو تشكيك يتأكد اليوم مع عودة بسيوني، وكيف تمسك السياسيون بذيل ثوبه مجددا، وفي الوقت الذي يجاهر الرجل بأن مكانه المفضل سيكون دوما قصور آل خليفة وبساطهم الأحمر.. المليء بدماء البحرانيين.