متابعات: الأسئلة التي لا يجب عليها “صندوق العربية الأسود”
البحرين اليوم – (خاص)
متابعات
ما وراء الخبر
استمات محمد العرب، المتجنس في البحرين، لكي يُقنِع النّاس بأن فيلم “البحرين.. صندوق فبراير”، هو من نوع الأفلام “الوثائقيّة”، والتي تقوم على العمل الاستقصائي “الحر”، والبحث عن المعلومة، بجهدٍ وتنقيب وشغف، حتى التمكُّن من الوصول إليها من مصادرها. كان يحاول، بكل الطرق، أن يقول بأن هناك “جهداً صحافيا” عانى منه طويلاً، وهو في طريقه للوصول إلى هذه المصادر، التي لم يكشفها، ولم يُخبرنا، ولو بكلمة، عن طبيعتها، أو شكل التعاطي معها.
أراد العرب أن يقول لنا: أخيراً، سوف أقدّم لكم فيلما وثائقياً – كعادة “العربية” – فيه أسبقية الكشف عن “الحقائق”! كان يعوّل على لعبة “الطُّعم” الذي رُمِي الأسبوع الماضي، والمتمثل في الشريط الفلمي الذي حمِل عنوان “حكاية حسن”، والذي عرضته قناة “العربية” ذاتها. القائمون على اللّعبة كانوا يعرفون أن “حكاية حسن” هو شريط “خالٍ” من كلّ التقنية والجهد، ولن يُرضي الجمهور “المسْعوَد” و”المتخلفن”، وهو أمر مُراد ومقصود، ليكون هذا الاستياء – وقد تمّ – رافعة للعمل “الآخر” الذي سيُبيّض “الوجه”، كما قال أحد المسعودين.
فهل قدّم لنا العرب عملا “وثائقيا”، “احترافيا”، “واستقصائيا”.
الموسيقى المُختارة للفيلم لا علاقة لها بالمحتوى. اللّحن الموسيقيّ كان يدفع الذهن إلى مكانٍ آخر غير الأمكنة (سيئة الصيت) التي ظهرت منها شرائط الشخصيات القيادية المعارضة وهي تتحدّث. مع الإبهار الجذّاب الذي أُقحِم على الفيلم بلصق مشاهد وتحريك الكاميرا من الأعلى؛ يبدو ظهور العرب – في أول الفيلم – وهو يمشي الهوينا في مكان راقٍ، وأمام خلفية تُشبه “جزر أمواج” (منطقة الأثرياء في البحرين)، وحديثه في وجه المشاهدين وهو يحرك يديه بافتعال، ثم حديثه وهو يخطو خطوات جانبية بعيدة عن “الكادر”، ولايظهر فيها مواجِهاً المشاهدين. ولكن، من هروبٍ واضح من الجزء الأهم في الفيلم: إخبار المشاهدين عن طبيعة “القصة” التي يريد أن يرويها، وما خلفياتها. كلّ ذلك يُعطي الإنطباع بأننا أمام عمل “مُجيّر” لتحقيق هدف محدَّد، ولسنا أمام “صحافي حرّ”، استطاع بمجهوده “الاحترافي” أن يصل إلى “الصندوق” ليكشف عن أسراره.
غاب عن العمل الأسئلة التالية:
– لماذا ثارت البحرين في 14 فبراير؟
– ماذا حدث في الفترة بين 14 فبراير وحتى 14 مارس؟ كيف عادوت القوات الخليفية قمع المتظاهرين في الدوار غدْراً؟
– كيف تظاهر الناس خلال هذه الفترة؟ وكيف تظاهروا بعد هذه الفترة؟ ما حجم الأعداد التي ظهرت؟ وما طبيعة الشعارات التي رُفعت في التظاهرات؟
– لماذا تم اعتقال قادة الثورة؟ وكيف تمّ اعتقالهم؟ وما جرى أثناء التحقيق معهم؟ وماذا قالوا في إفاداتهم حول ذلك؟ (اقرأ: إفادات قادة الثورة والرموز)
تغيب هذه الأسئلة هروباً من الإجابة عليها. هذه الأسئلة لا تحمل روايات متعدّدة أو تأويلات متشابكة، وبنحو تمكّن العرب أن يتلاعب فيها وعليها، ليمرّر الرواية المطلوبة. هذه الأسئلة تُجيب عليها وثائق مصوَّرة، وإفادات مكتوبة، وتصلح أن تكون مادةً ترفع – في حال توظيفها – من مستوى “مهنية العمل”. ولكن المطلوب، من العرب، إزاحة هذه الأسئلة وإجاباتها الموثقة؛ لأنها تُزعِج “الرواية” التي يريد الفيلم إعادة ترويجها، وهي تحديدا رواية آل سعود وآل خليفة.
مع غياب الأسئلة السابقة، يكون الفيلم مكشوفاً على مهمته الأمنية. المخابرات الخليفية أردات “استثمار” الشرائط المسجّلة مع بعض قادة الثورة المعتقلين، بما يخدم الوضعيّة التأزيمية التي يقوم بها السعوديون، وأتباعهم من آل خليفة والخليجيين.
المطلوب هو إنزال “إعدام معنوي” للقادة، تماماً كما أراد الخليفيون فعله مع الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري عندما أُجبر على الظهور في التلفزيون وهو يتلو “رسالة الاعتذار” أمام حمد عيسى الخليفة. جرى ذلك بعد محاكمة الشيخ الراحل، بأيام، وقبل الإفراج عنه ليُوضع في الإقامة الجبرية، في العام 1996م. إلا أنّ ذلك لم ينجح، وعبّر الناس عن التفاف أكثر عاطفيّة حول الشّيخ الجمري، والذي لا يزال يمثل رمزاً للنضال ومرتبطاً بالوجدان الشعبي.
ظهور قادة الثورة في الشرائط التي سلمتها المخابرات لقناة “العربية”؛ يُدين الفيلم ويُسقِط من قيمته “المهنية”، وهو أمر معروف لكلّ الذين يعملون في الإعلام.
التوظيف الذي اعتمده فيلم “العربية” كان يريد تحقيق الهدف المشار إليه أعلاه (الإعدام المعنوي)، وهو هدف غير إعلامي، ولا علاقة له بأية غايات مهنية ينص عليها الميثاق الإعلامي في العالم. وهو ما يجعل القناة السعودية محلّ مساءلة قانونية، فضلا عن المساءلة الأخلاقيّة. إلا أن البعض يفضّل “إبعاد” موضوع المساءلة هنا، لكون الإعلام السعودي والخليفي غير معنيّ بهذه المساءلة أصلاً، وهو ما يجعله “زاهداً” في توفير أدنى مستويات المهنية والقواعدة الأخلاقية في العمل الإعلامي.
اختارت “العربية” أن تبدأ برواية حمد الخليفة، وحديثه عن مؤامرة عمرها 30 سنةً وبحضور عسكريي قوات “درع الجزيرة” (السعودية)، وكلّ ما يقوم به الفيلم هو “إثبات” هذه الرواية العسكرية السعودية. ولكن الأسئلة الذي لا يجيب عليها الفيلم حول ذلك هي:
– لماذا كشف حمد عن وجود هذه المؤامرة الآن؟
– لماذا التقى وحيّى وبشّر في السابق كلّ “المتهمين” اليوم بالمؤامرة، وأودعهم في السجون وفي زنازن التعذيب؟
– لماذا التقى حمد شخصيا بالأستاذ حسن مشيمع، والأستاذ عبد الوهاب حسين.. سابقاً؟
– منْ الذي كشف لحمد الخليفة وجود المؤامرة المذكورة؟ ومتى؟
– ماذا يعني إعلان حمد عن هذه المؤامرة بحضور القوات العسكرية؟