ما الذي يحدث في ديوان “الملك”؟ المطلوب رأس الخطاب الديني في البحرين
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: باقر المشهدي
كاتب متخصص في شؤون الخليج
لم تمض ساعات من إصدار كبار العلماء في البحرين بيانا حول الإفراج عن المعتقلين السياسيين في البحرين، حتى أنهالت عليهم ضربات النظام، حيث ابتدأ الضربات بوكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية، فريد المفتاح، ثم تلاها بيان وزارة الداخلية الذي قال إنه بعث برسائل منفردة لكل العلماء الذين وقعوا البيان، حذرهم فيها من مواصلة طرح مطلب الإفراج عن المعتقلين، معتبرا ذلك بمثابة “التحريض ضد الحكومة”، ويساهم في إثارة الفوضى في المجتمع. بيان العلماء الأربعة كان هادئا جدا، وشديد الاقتصاب، بل لم يحمل أي سقف سياسي أو حتى موقف ضد السلطة. إلا أن السلطة الأمنية رأت في صدور البيان خطرا ضدها ويتطلب مواجهته.
من الواضح أن بيان الداخلية جاء على خلفيات عديدة، من بينها ما يُشار إليه من خلاف بين الديوان الملكي وبين رئيس الوزراء خليفة سلمان، وأن تواصل السيد الغريفي عبدالله مع رئيس الوزراء أثار حفيظة الديوان الملكي وحمد عيسى نفسه. ولكن الأهم هنا، من وجهة نظر المراقبين، أن السلطة الأمنية في البحرين لا تريد لأي كيان، مهما كان اسمه ووضعه الاجتماعي والرمزي، أن يباشر التعاطي السياسي، خصوصا إذا كان هذا الكيان الاعتباري يحمل الطابع الإسلامي. بعبارة أخرى، فإن السلطة وبعد أن أنهت مشروعها الاحتكاري في ضرب ومحاصرة كل جبهات المقاومة لها، من جمعيات سياسية وشخصيات سياسية قيادية وغيرها؛ لم تعد تحتمل ظهور بقايا الكيانات التي قضت عليها، وهنا الإشارة تحديدا إلى المجلس العلمائي ومجموعة كبار علماء البحرين.
في الرؤية الأعمق، نحتاج إلى متابعة الإستراتيجية السلطوية في محاصرة واحتكار الخطاب الديني عند السلطة الأمنية والسياسية في البحرين وكيف ترسم هذه الإستراتيجية التي تنطوي على خطورة كبيرة.
في نوفمبر 2015 برزت دعوات رسمية للتسامح الديني والمذهبي في البحرين، وعُقد مؤتمر بهذا الخصوص كانت إحدى توصياته تنص على ضرورة تجديد الخطاب الديني المعتدل في المساجد والمآتم والكنائس والمعابد خاصة بين أوساط الشباب. تجسدت تلك السجالات في اقتراح بقانون ناقشه مجلس النواب الخليفي، ووافق مجلس الشورى في (6 ديسمبر 2015) على اقتراح بقانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجمعيات السياسية للعام 2005، تنص على حظر رجال الدين المنتمين للجمعيات السياسية من مزاولة الخطاب الديني. بعدها وفي مارس 2016 كشف وكيل وزارة العدل، فريد المفتاح، عن طرح الوزارة خطة لتحديث الخطاب الديني ووضع لوائح جديدة للعاملين في الحقل الديني. بعد عدة سجالات من بينها إصدار معهد التنمية السياسية في البحرين دراسته المطولة حول الخطاب الديني في البحرين.
المهم وراء هذه المقدمة الأولية، أن السلطة في البحرين أسست لنفسها مسارا واضحا في مواجهة الخطاب الديني، أولا باحتكار قوته، ومحتواه ثانيا. وفي الحقيقة؛ فإن انتهاج هذه الإستراتيجية ليس حصرا على السلطة في البحرين، إذ كانت هناك تجارب سابقة أرستها مراكز الأبحاث الغربية في مصر والمغرب وغيرها من الدول التي كانت مشغل تجارب لتلك الدراسات، وبالتالي وُجد مسار سلطوي في الدول العربية يقوم على احتكار السلطة الدينية ومحاصرة الخطاب الديني المتمرد على السلطة. وقد نُقلت تلك التجارب إلى البحرين، ولكن عبر عنوان عريض ومرواغ هو “التسامح الديني” الذي يراعاه الحاكم حمد عيسى. وكان حمد قد دشن حملته المراوغة منذ 2015 ثم اتبعها برسالة نشرها في أكتوبر 2017 عبر مقال نُشر بصحيفة “واشنطن تايمز”، تلاه تدشين ما يُسمى مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في شهر نوفمبر 2017.
وبالتالي، فإن فكرة احتكار الخطاب الديني ومحاصرة الخطابات الدينية الأخرى هي فكرة عالمية، وتأتي متوافقة مع التوجهات الإستراتيجية العليا للدول الكبرى، فهناك توجه عالمي للحد مما يُعرف بالإسلام السياسي، لما يثيره من تداعيات تربك سير عمل الإستراتيجيات الكبرى.
في المقابل، فإن مواجهة الخطاب الديني في البحرين لها سياقها الخاص أيضا، وهو أن الحركة الإسلامية وبالأخص الشيعية منها؛ هي الحركة الوحيدة التي ظلت تُمسك بزمام الأمور طوال أربعة عقود دون منازع، خلافا للتيارات والحركات الأخرى التي وإن كانت قوية في حضورها ومتماسكة في رؤيتها؛ إلا أن عمرها الجماهيري كان قصيرا مقارنة بالحركة الإسلامية. فالحركة القومية استمرت منذ خمسينات القرن حتى نهاية الستينات، وبالمثل فإن حركة اليسار التي تلت حركة القوميين لم تلبث أن انتهى مفعولها مع بداية الثمانينات تقريبا. إضافة إلى ذلك؛ فإن الحركة الإسلامية الشيعية تعتبر صاحبة أقوى ثورة وانتفاضة ضد الحكم الخليفي في البحرين طوال 200 سنة الماضية وهي ثورة 14 فبراير. ولهذا؛ فإن مواجهة الحركة الإسلامية ومحاولة وأدها والقضاء عليها يعتبر من أهم أولويات وإستراتيجيات السلطة الخليفية في البحرين.