لماذا يعتقد أمراء من آل سعود أن البلاد تتجه إلى كارثة؟
المتابع للشأن السعودي، قد يلاحظ أن هناك تفككا في أسرة آل سعود، ولم تعد القرارات الكبرى، بما فيها اختيار ولي العهد؛ تُتخذ بالإجماع أو بالأغلبية بين أبناء مؤسِّس البلاد، وهو ما أدى إلى بدء ظهور جبهة معارضة معلنة داخل العائلة الحاكمة، تعتقد أنّ البلاد تتجه إلى كارثة.
منذ عهد الملك فيصل الذي جاء إلى الحكم بعد الإطاحة بأخيه سعود في 1964، كانت القرارات الكبرى تُتخذ بعد التشاور مع أبناء الملك المؤسِّس، أو غالبيتهم، ومضى ملوك آل سعود على هذا النهج.
وفاة سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، في 2011 والذي كان صاحب نفوذ واسع في البلاد؛ جاءت في وقت كان قد مات فيه كثير من أبناء الملك المؤسّس، واعتلال صحة الأحياء منهم. هذا الأمر، سمح للملك الراحل عبدالله أن ينفرد بالحكم، لكن بنحو جزئي، نظراً إلى وجود نايف بن عبدالعزيز الذي أصبح ولياً للعهد وشقيقه سلمان.
نايف بدوره مات في يونيو 2012، ليأتي مكانه في ولاية العهد سلمان الذي كان للتو أُصيب بمرض الخرف، وفقاً لتقارير غربية.
عبدالله الذي تدهورت صحته منذ 2011، تركَ شؤون الحكم لابنه متعب ورئيس ديوانه خالد التويجري، ليظهر للسعودية وجه آخر يفتقد للرشد، سواءً في إدراة الملفات الداخلية أو الخارجية، وأضحى من الواضح أن صناعة القرار باتت فردية للمرة الأولى منذ نحو 55 عاماً.
هذا الانفلات صَنع من السعودية دولةً بأكثر من رأس، فوزير الداخلية الجديد حينها، محمد بن نايف، أطلقَ في مطلع 2013 حملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ الستينات، طالت منْ يعتبرهم البعضُ رموزاً دينية أو إصلاحية. وصدرت تالياً ضدهم أحكاما قاسية، وصلت إلى الإعدام في بعض الحالات.
هذا الجنون القمعي، كشف بصراحة، أن هناك تغييراً جوهرياً في نظام الحكم، لجهة التعاطي مع المطالبين بالإصلاح، حيث كان من الواضح أن قرارات اعتقال هؤلاء لم تعد تصدر بناءاً على التشاور مع كبار الأمراء، بل من وزير الداخلية منفردا.
ملفات السياسة الخارجية، بدورها، كان هناك تضارباً في إدراتها، وتحديداً في سورية و اليمن. فبندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السابق، كانت له سياسته الخاصة، التي تتصادم مع سياسة وزارة الخارجية والديوان الملكي.
ومع تولي سلمان الحكم في يناير الماضي، وتحوُّل ابنه محمد لأن يكون الحاكم الفعلي للبلاد، ظهرت الرعونة في سياسة الرياض. فالحرب التي أعلنها على “الحوثيين” في اليمن، أثبتت فشلها، ولم تستطع القواتُ الموالية للرئيس المستقيل عبدربه هادي حتى من السيطرة على عدن، رغم مرور نحو 70 يوماً على الحرب. حتى قال البعض إن الهدف من الحرب كان إيصال ابن سلمان إلى ولاية العهد.
وتجرأ سلمان على أمر لم يفعله أحد من ملوك السعودية ممن سبقوه، وهو عزل ولي العهد مقرن، وتعيين محمد بن نايف بدلاً منه، وتعيين الوحيد من أبنائه الذي اشتهر بسوء خلقه وجهله – محمد بن سلمان – ولياً لولي العهد.
ولاحظ السعوديون أمراً لم يعهدوه من قبل من المسؤولين الكبار في بلادهم. ففي الوقت التي تخوض فيه البلاد حرباً؛ قرّر وزير الدفاع محمد بن سلمان الزواجَ بثانية، وسافر إلى باريس لقضاء شهر العسل، حيث أمضى 16 يوماً، في الوقت الذي اشتدّ القصف على المدن الجنوبية، وطال كثيراً من المنازل وذهب نتيجته عدد من الجنود والمدنيين.
ابن سلمان نفسه، يبدو أنه مؤشر على تغير وجه السعودية إلى الأبد، فهو جاء بأصدقاء السَّمَر، ليصبحوا وزراء في الحكومة، رغم أن جميعهم – بلا استثناء – تنقصهم الخبرة وحتى الكياسة.
رأى السعوديون، للمرة الأولى، وزراء يتحدثون بلغة “شوارعية” ولا يُحسنون تركيب جملة مفيدة، وكلما اضطروا للكلام تكشّف جهلُهم ونفاقهم أكثر. فأحدهم، وهو وزير التعليم عزام الدخيل، تجاهلَ كلَّ الأعراف المهنية التي تلتزم بها أي حكومة في العالم، وسخر في لقاء مع قناة العربية من إقالة زميله وزير الإسكان، بأمر محمد بن سلمان، ولم يجد الدخيل منجزاً “لسمو سيّدي” كما يسميه؛ إلا أنه يسمح لمنْ يسهرون معه “بأن لا يرتدوا الشماغ في حضرته”.
المؤشرات كلّها، منذ تولي سلمان الحكم قبل 150 يوماً، تشير إلى إننا أمام “مجانين” يحكمون البلاد. ولنتذكر أن عبدالعزيز ابن الملك الراحل فهد – الذي حكم البلاد فعلياً بعد إصابة والده بجطلة دماغية لمدة عشر سنوات – كان شاغل الناس وحديث المجالس، وروّجت له وسائل إعلام ومثقفون عرب بأنه “فلتة زمانه” وصاحب ثقافة موسوعية.
لكن السعوديين اكتشفوا بعد سنوات طويلة إنه “مجنون” بلا عقل حينما قرّر أن يتحدث للمرة الأولى، وفتح حساباً موثّقاً في موقع تويتر كانت تغريداته كلها عبارة عن طلاسم، زعم في إحداها أنه بنى الكعبة.
لا شك – واعتماداً على سيرته الذاتية – فإن محمد بن سلمان الذي يعدّ وزير الدفاع الوحيد في العالم الذي تخوض بلاده حرباً ولم يصرّح ولو لمرة واحدة؛ لا يختلف عن ابن عمه. ولكن الفرق بين الاثنين، أن ابن سلمان على ما يبدو توفّرت له الفرص كافة مع ولي العهد محمد بن نايف، ليأخذا البلاد إلى “كارثةٍ”، الجميعُ يترقبها، كما قال الأمير سعود بن سيف النصر.