لماذا يجنح آل خليفة للتطبيع بدون خجل ؟!
البحرين اليوم – مقالات
بقلم الكاتب: محمد حسين ..
تعود العلاقات الخليفية السرية مع الاحتلال لعقود من الزمن، وكباقي الحكام والأنظمة العربية، كان الخليفيون يحرصون على بقاء هذه العلاقات المتناقضة مع الثقافة الإسلامية والعروبية طي الكتمان، وذلك لتجنب غضب الشارع، والاستمرار في خداع عامة الناس بالتظاهر بالصلاح والاستقامة، ومناصرة القضايا الإسلامية والعربية.
أما الآن – وقد خرجت هذه العلاقات المشؤومة للعلن – لابد من فهم السبب وراء هذا التطبيع العلني، والحماسة وقلة الخجل والحياء في إظهار العلاقة وعقد الاتفاقيات في مجالات عديدة، وعلى رأسها الاتفاقيات الأمنية التي تهدد مصلحة البلد والناس، والتي هي أبعد ما تكون عن اهتمامات آل خليفة.
إن التطبيع المتسارع والشامل – إن صحت العبارة – يعود لمجموعة متداخلة من العوامل المحلية والاقليمية والدولية، جعلت منه طريقًا خليفيًا للهروب من الاستحقاقات المحلية الضاغطة، واحتماءً من المتغيرات المتسارعة على المستوى الاقليمي والدولي، وهو ما دأب النظام على فعله كلما شعر بالخطر، فقبل عقد من الزمن استجلب قوات عسكرية لقمع شعب أعزل للحفاظ على سلطته، وعاتب رأسه السلطات البريطانية -بلا حياء- قائلًا: “من طلب منكم الرحيل من البحرين؟!”
إن هذه الدونية الخليفية في نسج العلاقات مع القوى الاستعمارية، ابتداءً من بريطانيا وثم أمريكا، وانتهاءً بالتطبيع مع الاحتلال يعود – جوهريًا – لعدم ثقة هذا النظام بنفسه، ومعرفته أنه لايملك أسباب البقاء الذاتية، على أساس افتقاده المقبولية الشعبية، ودخالته على هذه الأرض وترابها، وعدم انسجامه مع أصالة الشعب البحراني وثقافته، الذي استعبدوه بالسيف وعقلية الفتح.
ولعل واحدة من الدوافع الجلية للنظام الخليفي في جنوحه للتطبيع هو رغبته في الاستفادة من خبرات وتقنيات الاحتلال في قمع الانتفاضات الشعبية وتبديل الهوية والثقافة الوطنية، في ظل إصرار أهل البحرين على انتزاع حقوقهم، وعدم استسلامهم لأدوات القمع والتضييق التي مارستها سلطات آل خليفة على مدى عقود طويلة من الزمن، ويأمل الخليفيون أن يجدوا ضالتهم عند نتنياهو وبينيت، وأبناء شامير وشارون وبيريز الملطخة أيديهم بدماء أبناء الأمة ..
ومن هنا لابد للمعارضة البحرانية – وبعد أن انكشف لديها الكثير بخصوص تدخل رجال الاستخبارات الغربيين في الشأن المحلي وشراكتهم مع جهاز الأمن الوطني في قمع ومناهضة ثورة ١٤ فبراير – أن تبحث عن الدور الاسرائيلي على المستوى السياسي، وأن تفضح للناس عن الدور الخبيث للسفارة المشؤومة في استهداف الدين، والقيم الإسلامية والثقافية المتغلغلة في وجدان المجتمع البحراني، والاتفاقيات التطبيعية الموقعة والمعلنة وكفيلة بتبيان جزأ من ذلك.
أما على المستوى الاقليمي والدولي، يمثل التغيير في أولويات الإدارة الأمريكية لصالح محاصرة الصين واحتواء نفوذها المتزايد – سياسيًا واقتصاديًا وربما أمنيا – وانسحابها من بعض الساحات في المنطقة مثل أفغانستان التي شكل الخروج الأمريكي منها صفعة مدوية في وجه كل من يثق بالحماية الأمريكية ويعتمد عليها، وانهزامها في ساحات أخرى كسوريا ولبنان واليمن، وانكشاف عجزها المبين أمام السياسة الإيرانية الرصينة على أكثر من صعيد، وجنوحها – عمليًا – لتبريد المنطقة واستبعاد خيار استخدام القوة الصلبة معها.
وعليه فالمطلوب – أمريكيًا – من هذه الدول التي تستمر بوجودها بسبب الدعم الأمريكي أن تتحالف وتتشابك مصالحها حتى لايتم القضم منها بالقطعة في صراع اقليمي مستمر، يتجدد ويأخذ أشكال متغيرة وجديدة مع الوقت، ويكون من نتائج ذلك ارتهان البحرين للاحتلال، ووقوعها تحت هيمنته بشكل مباشر، وتفريغ أمريكا للدفاع عن مكانتها العالمية في وجه صعود الصين، وربما روسيا في بعض المجالات.
في ظل جميع هذه المعطيات، يُطبّع الخليفي من أجل الحماية، واستجلاب رضا اللوبيات الصهيونية في أمريكا والعالم، وبما ينعكس دعمًا وحمايةً أمريكية، ومن جهة أخرى يعوض عدم الالتزام الأمريكي بحماية عملائه في المنطقة إلا بمقدار مصالحه، ولا يمانع – هذا النظام – أن “يتصهين” أو “يتأسرل” في سبيل الحفاظ على حكمه المأزوم، غافلًا أن فاقد الشيء لايعطيه، وأن الاحتلال – نفسه- يحتاج للحماية، وأنه لايملك مقومات البقاء الذاتي، وأنه إلى زوال بنص القرآن وسنن التاريخ.