البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: حسين كاظم
كاتب من البحرين
قد تكون الاعتقالات حالة أمنية لقمع وإخماد صوت مزعج، وقد تمتد إلى “الفجور في الخصومة” وأكل الأخضر واليابس، وتخرج من الحالة المفهومة إلى حالة الفوضى اللامفهومة، وكثير ممن أعرفهم يعتبر الاعتقالات الخليفية حال من اللامفهوم، لأنها لا تطال الناشطين السياسيين والحقوقيين والميدانيين فقط، بل حتى أنها تطال من هم في نشاط ديني بحت كتعليم الصلاة أو الأنشطة الثقافية المرتبطة بالحالة الدينية في البحرين.
كثرة الاعتقالات من هذا النوع خلق تشوشاً في فهم رتم السلطة في سياستها القمعية، وإن كان ثمة عشوائية في الاعتقالات وفوضى فإنه في اعتقادي بنسبة ضئيلة، ومعظم الاعتقالات محسوبة ومقصودة، حتى لأولئك الذين لا علاقة لهم بالسياسة.
مثلا، اعتقلت السلطة الخليفية الشيخ علي المرشد، وزجته في قضية ملفقة مع آخرين لا علاقة له بهم لا من حيث الأفكار ولا على مستوى العلاقة الشخصية، وعرفت القضية بـ “خلية قطر” حكم على إثرها بخمسة عشر عاماً.
في هذا المعطى، فإن القضية بلا ريب ملفقة وبطريقة سمجة جداً، كما أنها غير مضبوطة التركيب ولا الإخراج، لكن هذا لا يعني أن الشيخ علي المرشد-مثلا-ليس مقصوداً بالاعتقال، أو أن اعتقاله كان عشوائياً.
في إمعان النظر، نرى أن السلطة تمنع كل نشاط ديني مؤثر، هي منعت في وقت سابق الشيخ حبيب الكاظمي من دخول البحرين، رغم أن بعده روحاني ونشاطه عبادي بحت، وكذا كان الشيخ المرشد على نفس الشاكلة، وقد اعتقلت السلطة أيضا في وقت سابق السيد محمود الموسوي، وهو معروف بالنشاط الديني والثقافي البحت، الذي لا يتطرق فيهما للسياسة لا من قريب ولا من بعيد.
الاعتقالان المذكوران، ومنع الكاظمي، إذا ما جُمع مع قرائن أخرى على نفس الشاكلة وإن اختلفت المستويات والتراتبيات والأثر والمؤثر، فإن العامل المشترك موجود، وهو رفض الحالة الدينية التي تفتح باباً لخلق نفسية قوية لا تقف عند حواجز الهزيمة، ولا تقتفي أثر التسلق ولا تنزلق لمنطق التدحرج للظالم.
وهذه الثقافة الروحية لها فروع وعلامات، بعضها صغير وبعضها كبير، والخليفيون بإيعاز من البريطانيين، يرصدون كل ذلك من باب “الوقاية خير من العلاج”.
لهذا كان اعتقال زكية البربوري وفاطمة داوود (اعتقلتهما السلطة مؤخراً وخلق ذلك سخطا شعبيها)، إنهما على نفس المساحة التي تهتم بالجنبة الروحية والعبادية، ما علاقة البربوري وداوود بالنشاط السياسي والميداني؟ إنهما تعلمان الصلاة، وتثبتان أحكام الدين في الناشئة، وعلى منطقة محدودة في بلدتهن نويدرات.
الاعتقال جاء دليل الأثر الديني للفتاتين، ومثل ما يتوقع الكثير، فإن السلطة ستلفق لهما تهمة سياسية، وقد تشبّكهما مع آخرين استهدفتهم السلطة لأسباب مختلفة.
أعتقد أن من المهم تشريح العقلية الخليفية سواء في بعدها القمعي أو السياسي أو حتى الإعلامي، لفهم مدارك ومناشئ توجهها، لفهم أفضل لغاياتها القريبة والبعيدة.