البحرين اليوم – (خاص)
شعبٌ عاش حلمه بين ستة أضلاع حملت فوقها لؤلؤة. و17 عشر نخلة كانت الحدود. احتشد حولها البحرانيون في يوم الخامس عشر من فبراير 2011 مطالبين بحقوقهم، راسمين حلما لأبنائهم ولشعبهم، حتى أصبحت هذه البقعة الطاهرة كابوساً يُطارد الخليفيين.
الطريق نحو اللؤلؤة
في يوم الرابع عشر من فبراير خرج الشعب مطالباً بحقوقه طامحاً لمستقبل أفضل، كان من ضمنهم الشهيد علي مشيمع الذي سقط بعد قمع المتظاهرين في بلدة الديه جراء إصابته برصاص الشوزن. الشهيد مشيمع رسم الطريق للثوار للزحف نحو دوار اللؤلؤة بدمه، فبعد تشييعه توجه البحرانيون إلى دوار اللؤلؤة، ناصبين خيام الإعتصام التاريخي.
من بعد الخميس
عُرف بـ “الخميس الدامي”. أربعة شهداء ومئات الجرحى كانت كفيلة برفع شعار “من بعد الخميس أنهينا الكلام.. الشعب يريد إسقاط النظام”، ففي فجر السابع عشر من فبراير ارتكبت القوات الخليفية مجزرةً بحق الشعب بعد قمعها المعتصمين في دوار اللؤلؤة وفض الإعتصام فيه.
هنا أكد الخليفيون أن إصلاحهم مستحيل، وأن إسقاطهم هو المستقبل المشرق للبحرين.
الجيش يقتل الشعب
لم يكن من السهل التخلي عن دوار اللؤلؤة. الأحلام كانت معلقة فيه، وعبق الحرية في أرجائه، والأهم.. هو هذه الدماء الزاكية التي صبغت أرضه.
أصر البحرانيون على العودة إلى الدوار بعد ختام فاتحة الشهيد مشيمع، وزحفت الحشود نحو طريق اللؤلؤة، حتى وصلت قرب محيطه، فاتحةً صدورها للدبابات والجيش الخليفي.
كان من بينهم صدرٌ يشع خلوداً.. وقبضةٌ عالية نحو الأرجاء.. وهتافٌ يدوي هازئاً من دبابات الموت. شابّ أعزل. ولكنه كان كفيلا بإدخال الرّعب في قلوب الجُند المقنعين الذين أطلقوا الرصاص نحوه.. ونحو المتظاهرين. وهكذا دخل الشهيد عبد الرضا بوحميد تاريخ الفاتحين، ومعهم عشرات الجرحى.
إصرار وصمود
دماء عبدالرضا بوحميد زادت الغضب في نفوس البحرانيين، وأكدت مجدّداً عدمَ قابلية إصلاح الخليفيين.
احتشدت الجموع في اليوم التالي على مشارف دوار اللؤلؤة، المحاط بالعساكر والأسلاك.
رفعوا شعار واضحاً.. وحاسماً: “لاحوار لاحوار.. حتى يسقط النظام”. لحظاتٌ قليلة ويتحققّ فتْحٌ مطليٌّ بدماء بوحميد. انسحبت القوات الخليفية، وعاد البحرانيون مرةً أخرى إلى لؤلؤتهم، معتصمين حولها، وناصبين خيام الحرية في أرجائها العبقة بالأحضان.
مارس الإحتلال
بعد اعتصام استمر قرابة الشهر؛ تكلل بالإفراج عن المعتقلين، وعودة الأستاذ حسن المشيمع، تحرّكت موجةٌ من التظاهرات الغاضبة التي عمت أرجاء البحرين.. زحف فيها الشعب نحو ديوان الديكتاتور حمد عيسى متحدياً آلة القمع الخليفية.
لبس الشعب أكفانه وهو يدوس الذلّ، ويتجه نحو قصر حمد. ارتفعَ الصوتُ، وامتدّت الثورة، وتحرّكت الجموع. فاهتزّ النظام، وكاد أن يسقط على وجهه، لولا جنود الاحتلال.
في منتصف مارس يرتدي المواطنون أكفاناً مصبوغة بالدماء. إنه شهرٌ تجمّعت فيه الجرائم والانتهاكات.
في الخامس عشر من مارس، ارتكبت قوات الإحتلال مجزرة دموية في سترة عندما حاصرتها، بعد دخولها للبحرين في الرابع عشر من مارس، لتُخلّف ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى.
لم تكتفِ القواتُ الغازية ولم تشبع. كانت تريد أن تنقضّ على رمز الثورة. توجهت نحو دوار اللؤلؤة، وكان القرارُ “إبادة” المعتصمين في حال تشبّثوا بالتراب.
لم تكن الدبابات، ولا الطائرات، ولا الجيوش تحمل أمْرَ فضِّ الإعتصام، إنما قرار “الإبادة”. قُطعت الإتصالات. ارتفعت التكبيرات والهتافات، وكست المنطقةَ الدباباتُ والمدرعاتُ، وابتدأت “مهمة” الإبادة.
شهداء وجرحى يتناقلُ الناسُ أخبارهم وصورهم. وبدأ عسكر الإحتلال يُرخي جيوشه ودباباته في دوار اللؤلؤة.
في المساء، أُعتقلت رموز الثورة، وسُلّ السّيف الوهابي على بلدات البحرين. جرائم بشعة من قتل واعتقال وتنكيل تحت ما سُمّي بـ “السلامة اللاوطنية”.
القنّاص شاءَ ألا ترجع الشهيدة بهية العرادي إلى منزلها. ورصاصهم الأسود لم يهدأ حتى يهشم قدم الشهيد هاني عبدالعزيز. المرتزقةُ كانوا يغلون لأجل إنجاز مهمتهم في حرمان الطفلة فاطمة من رؤية والدها الشهيد عبدالرسول الحجيري.. وهكذا هي قوافل شهداء مارس الاحتلال.
أمّا بيوت الله، فكان يُراد ألا يُسْمع منها صوت الحقّ.. وبدت جرافاتُ آل سعود وآل خليفة مسكونةً بالغليان الوهابي، وإلى أن هدمت 38 مسجداً.
عبثاً تقتلع الدوار.. يا درع الخسة والعار
لم تكتفِ قوات الاحتلال بما بلغته من جرائم قبل الثامن عشر من مارس. لازال نبضُ الثورة يبعث الحياة في عروق البحرانيين. في ذلك اليوم، كان المطلوب قطْع هذا النبض. توجهت قوات درع الجزيرة نحو نصب دوار اللؤلؤة، وبدأت هدم مصدر “الذكرى الأليمة” التي تلاحق الخليفيين.
ظنوا بهدمهم للؤلؤة أنهم قادرون على طمس الثورة في البحرين.. خُيّل إليهم أن “الكابوس الأسود” سيُغادر قلوبهم الحاقدة! لم يعلموا أن جرائمهم في مارس زادت الشعب إصراراً، وأوقدت فيهم جذوة – تتصاعد كل عام – عنوانها “حلم العودة” إلى دوار اللؤلؤة من جديد. حلم يُشبه حلم عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وبعد رحيل الصهاينة. الصورةُ هي ذاتها هنا.
حلم العودة البحرانية علّم السكانَ الأصليين التمسكَ بالطريق الذي رسمه الشهداء، وهو طريق إسقاط النظام الخليفي. إنه مفتاح العودة التي يصرّ البحرانيون على الإمساك به بقبضاتهم، وحتى يتحقق الفتح المبين.