كيف عزّزت السعودية نفوذ الشيعة في المنطقة؟
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: ساهر عريبي – إعلامي عراقي
لربّما يثير العنوان شيئا من الإستغراب، إذ كيف يمكن لدولة عُرفت ومنذ نشاتها بمعاداة الشيعة أن تُسهم في تقويتهم وتعزيز نفوذهم في المنطقة، وهي التي ما انفكت تشن عليهم الحروب وتحيك ضدهم المؤامرات منذ عقود. لكن واقع الحال يثبت بأن السياسات السعودية ضد الشيعة أسهمت مساهمة كبيره في أن يصبح للشيعة اليوم اليد الطولى في المنطقة.
فجميع السياسات السعودية ارتدت عكسيا عليها، ومنذ أن صعدت من عدائها للشيعة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، إذ انقلبت السعودية من حليف تابع لإيران الشاه إلى معاد للعهد الجديد. وكانت باكورة تصديها للجمهورية الإسلامية التي يقودها رجال دين شيعة هي دعمها لنظام صدام حسين في حربه التي شنها على ايران، واستمرت لمدة ثمان سنوات متواصلة. فقد أنفقت السعودية خلالها عشرات المليارات من الدولارات لدعم صدام حسين كمساعدات في حربه، وقامت بتسديد ديون العراق ومدّ أنابيب النفط العراقي عبر أراضيها واستثمرت في العراق، وزودته بالأسلحة وأعطت العراق إذنا لإستخدام مجالها الجوي لمهاجمة جزيرة خرج، مما أدى إلى تصاعد ما سُمّي بحرب الناقلات في الخليج. لكن هذا الموقف السعودي جاء بنتائج عكسية، حيث خرجت إيران من تلك الحرب أكثر قوة، وتحولت خلال بضعة عقود إلى أعظم قوة إقليمية وإلى لاعب أساسي في المنطقة.
وأما التجربة الثانية للسعودية في مواجهة الشيعة فكانت في لبنان، عندما وضعت اتفاق الطائف لوقف الحرب اللبنانية عام 1989 حيث سعت السعودية إلى الحد من النفوذ الشيعي المتنامي في البلاد بعد بروز حزب الله إلى الواجهة، ودعمت مختلف الأطراف في الساحة اللبنانية من سنية ومن مسيحية، وأثارت النزاعات في لبنان، ووقفت داعمة لتيار المستقبل، لكن نتيجة هذه السياسة ارتدت عكسيا عليها، فتحول حزب الله إلى قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب، وباتت اليوم له اليد الطولى في لبنان وسوريا، واما السعودية فتراجع نفوذها ونفوذ أتباعها في هذا البلد إلى حد كبير.
وأما ساحة الصراع الثالثة التي ألقت فيها السعودية بكامل ثقلها؛ فهي الساحة السورية التي دعمت فيها الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية تحت يافطة إحلال الديمقراطية في سوريا والقضاء على نظام الرئيس بشار أسد. واليوم وبعد أكثر من ست سنوات؛ فقد أصبح الشيعة وحلفاؤهم أكثر قوة من قبل، وظهرت فصائل شيعية مقاتلة غير حزب الله في سوريا، فيما عزز الجيش السوري من قدراته، وأصبح النظام أكثر قوة بعد أن نجح في استعادة المدن وإدخال روسيا كعنصر فاعل في معادلات الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا مُنيت السعودية بفشل ذريع في سوريا، وهي التي كانت تعول على إسقاط النظام في بضعة أشهر.
وبالإنتقال إلى العراق؛ فإن معاداة السعودية للواقع الجديد الذي تبلور في العراق بعد العام ٢٠٠٣ لم تفلح هي الأخرى في إضعاف الشيعة، فدعم السعودية للجماعات الإرهابية وخاصة القاعدة وداعش بالإضافة إلى بعض الفصائل السياسية بهدف تخريب العملية السياسية؛ لم تجد نفعا هي الأخرى، فبعد أن كان العراق بلا جيش بعد إسقاط النظام؛ فإن العراق استجمع قواه اليوم ولم يعد له جيش فحسب بل قوات عقائدية ممثلة بفصائل الحشد الشعبي التي وُلدت من رحم الفتوى التي أصدرها المرجع الديني السيد علي السيستاني لمواجهة الغزو الداعشي السعودي. وهكذا أصبح الشيعة اليوم أكثر قوة في العراق مما كانوا عليه طوال تاريخهم.
وأما في الساحة اليمنية التي تدعي السعودية أنها تقود تحالفا فيها من عشر دول للقضاء على جماعة “الحوثيين”؛ فها هي اليوم وبعد مرور قرابة العامين والنصف على عدوانها العسكري؛ تبدو عاجزة من القضاء على جماعة محاصرة لا تمتلك من أسباب القوة سوى ايمانها بعدالة قضيتها، وهي كل يوم تزداد رسوخا في الأرض فيما تبوء السعودية بالخسران، فبعد أن كانت الطائرات السعودية تقصف الحوثيين في معقلهم بصعدة، فإن الصواريخ اليمنية تطال اليوم الرياض والطائف وينبع، وانتقلت المعركة إلى العمق السعودي عند الحدود مع اليمن.
لكن ساحتين من ساحات الصراع ضد الشيعة لازالت المعركة غير محسومة فيهما اليوم بشكل نهائي، وأولهما البحرين التي احتلتها قوات سعودية في العام ٢٠١١ بهدف القضاء على الحراك الشعبي المطالب بالحقوق في البلاد. فبعد مرور أكثر من ست سنوات لايزال الحراك متواصلا بالرغم من القمع الحكومي والدعم السعودي، وفشلت سلطات البحرين في إسكات صوت الشعب رغم نهجها القمعي الدموي .
وأما الساحة الأخرى فهي داخل السعودية التي تشهد فيها المنطقة الشرقية احتجاجات بين الحين والآخر ضد سياسات آل سعود التي تقمعها السعودية بالحديد والنار، وكان آخرها الحملة الوحشية التي تتعرض لها بلدة العوامية، حيث تواجه عدوانا عسكريا متواصلا منذ ثلاثة شهور.
وبالنظر إلى نتائج سياسات العداء السعودية للشيعة في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن والتي جاءت بنتائج عكسية، حيث أدت إلى زيادة قوة الشيعة وتعزيز نفوذهم في المنطقة، في وقت تراجعت فيه السعودية التي أصبحت تعاني موازنتها من العجز، وشاع الفقر فيها، وفرضت إجراءات تقشفية وباتت في مرمى الصواريخ الحوثية، وبعد كل هذه التجارب: أولم يحن الوقت للسعودية لمراجعة سياساتها تلك وإدراك أن معاداة الشيعة خيار خاسر لن يفضي إلا إلى تعزيز قوة الشيعة؟
وإذا كانت السعودية تظن أن لديها اليوم اليد الطولى في البحرين والعوامية؛ فعليها أن تدرك بأن سيرتها في المنطقة طوال العقود الماضية تثبت بأن شيعة البحرين وشيعة العوامية سيخرجون من هذه المحنة أقوى، وستكون لهم اليد الطولى في منطقة الخليج. فالقضية ليست سوى مسألة وقت، لأن شيعة العوامية والبحرين ليسوا استثناءا من تلك المعادلة التي حكمت عداء السعودية للشيعة في مختلف دول المنطقة، وكانت نتيجتها انتصار الشيعة وهزيمة السعودية.