كيف برر الوفاقيون مشاركة قيادييهم في حفل السفارة الأمريكية: دبلوماسية ربطات العنق.. وتدوير الزوايا
البحرين اليوم – متابعات
لم تمر مشاركة قيادات جمعية الوفاق (المغلقة) في حفل السفارة الأمريكية بفندق الدبلومات (لم تمر) مرور الكرام، كما كان يتوقع ربما المشاركون فيها. ردود الأفعال الغاضبة امتدت إلى أوساط المعارضين، وقد كان يمكن أن تصبح تلك المشاركة “عابرة” لولا عدة أمور اكتنفتها وارتبطت بها، فهذه المشاركة سجّلت “أول” ظهور علني لقيادات وفاقية من الصف الأول منذ الهجوم الخليفي الذي بدأ في يونيو الماضي، وأفضى بغلق الجميعة. من ذلك الوقت، جمّدت هذه القيادات ظهورها العام، وأوقفت نشاطها الملموس، كما أنها لم تصدّر مواقف عملية بشأن تطورات الأحداث “الخطيرة” التي جرت خلال هذه الفترة، بما في ذلك الهجوم على آية الله الشيخ عيسى قاسم والتضامن مع المعتصمين في بلدة الدراز المحاصرة.
من جهة أخرى، كان يمكن لكل ذلك ألا يُحدِث الاستياء و”الصدمة”، لولا طبيعة الظروف التفصيلية الأخرى التي اكتنفت تلك المشاركة، حيث كان اللقاء “الأمريكي” الرسمي ذا طابع احتفالي، وصادف ذكرى استشهاد الإمام الحسن بن علي(ع)، وارتبط بحدث داخلي وهو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكذلك لجوء أحد القياديين الوفاقيين (السيد هادي الموسوي) لوضع العلم الأمريكي على صدره خلال حضوره الحفل؛ كل ذلك حرّك المزيد من المعاني السلبية في ذهن الناس والنشطاء، لاسيما وأن ذلك كله تم وسط استهداف ممنهج لم يتوقف حتى الساعة ويطال هوية المواطنين ووجودهم، بما في ذلك من ارتكابات وانتهاكات يعانيها المواطنون مما كان يفترض أن يوليه المشاركون الاهتمام والأخذ بعين الاعتبار.
في المقابل، لم يُعْدَم البعض من تقديم التبرير لمشاركة قياديهم في الحفل الأمريكي. وفي حين التزم المعنيون بالموضوع الصمت، اضطر القيادي في الجمعية سيد جميل كاظم لأن يدافع عنهم بجملة من التبريرات وذلك ردا على أحد المدونين في موقع تويتر استهجن المشاركة وطالب بتقديم توضيحات و”اعتذار” بشأنها، وخاصة مع رفع أحدهم للعلم الأمريكي وتعارض هذا الموقف مع الرؤية المعروفة عن الشيخ قاسم حيال التعاطي مع الأمريكيين. فكيف كان دفاع رئيس شورى “الوفاق” عن زملائه؟
لم يُبد السيد كاظم الاعتراض على المشاركة في الحفل الأمريكي، ولم يسجل أية ملاحظة غير مباشرة على ما تخللها أو في توقيتها. ومن غير أن يكون رفضه مباشرا، فقد تحفظ السيد كاظم على العبارة المنسوبة للأستاد عبد الوهاب حسين التي قال فيها بأن “كل مكسب يتوقف الحصول عليه بالصداقة لأمريكا والتخلي عن العداوة لها فهو تحت أقدامنا”، ورأى سيد كاظم بأن ما وصفها ب”اللغة السياسية التي ينبغي أن نتحدث بها مع العالم يجب أن تتصف بالمطالب الحقة لكل الشعوب”، وهو المقدمة التي تختصر المفهوم “التبريري” العام لكل السلوك السياسي الذي يُعرَف بها قياديو الوفاق الحاليون، حيث يذهب هؤلاء إلى أن المعيار الأساس هو “تشذيب” اللغة السياسية بما يتناسب مع “العالم” والتخاطب معه وفقا للمطالب “الحقة”، وهي واحدة من أدوات التبرير التي تتحصن بها النخبة الوفاقية عادة، حيث تقول إن على الآخرين أن يستوعبوا “اللغة السياسية” التي تعمل عليها، وأنهم غير معنيين بغير ذلك.
ترى هذه “النخبة” بأن موقعها و”شاكلتها” – بحسب التعبير الذي تم استعماله في النقاش “التويتري” مع السيد كاظم – تدعوها لأن تكون كما هي، وهي ليست ملزمة بتقديم توضيحات لما تقوم به، أو الرد على استياء الناس وإفهامهم الظروف الحقيقية لكل تصرف أو سلوك يثير الرأي العام. هذا الموقف “النخبوي” من قياديي الوفاق ليس وليد اليوم، ولم تفلح الثورة وشعاراتها حول “الشفافية” في أن تغير من هذا السلوك العتيد. ولذلك، لم يكن سيد كاظم معنيا بتفسير سلوك زملائه، أو إقناع المعترضين عليه، بل كان يشتغل خطابه التبريري على “قطع الطريق” على الاتهامات ومحاولة إسباغ “الخصوصية” على الدور الذي تقوم به نخبة الوفاق، وهو دور يجب أن يكون بمنأى عن “المحاسبة”، فضلا عن التشكيك أو المطالبة بتفسيره للجمهور. يعبر سيد كاظم عن هذا المعنى حين يقول بأن “الدور الذي يؤديه الأخوة (قياديو الوفاق) نحن لا نستطيع أن نؤديه، والعكس صحيح”، ويضيف أن “احتكار الحقيقة لأنفسنا هو الذي أدخلنا في المتاهات”.
لم يجد الكثيرون في كلام السيد كاظم ما يوضّح الأمور، أو يفسّر حدث المشاركة في الحفل الأمريكي، بل وجدوا محاولة “لفظية” للتبرير وعبر إعادة الحديث عن “الفضاء الرحب من العمل السياسي الذي يتكامل من خلال تدوير كل الزوايا”. ولكن كيف يمكن للمشاركة في حفل لهْوي عام، ووضع العلم الأمريكي على الصدور؛ أن ينجح في تدوير الزوايا، وأن يكون جزءا من الجهد السياسي المؤثر؟ هذا ما لم يتطرق له السيد كاظم أو يهتم بشرحه. ولأن التبرير لا يقدِّم جديدا، بل يحشر صاحبه في “الزوايا المغلقة” دون أن يدري، فقد اندفع السيد كاظم لأن يجترّ تبريرا “انفعاليا” حينما أوحى بأن الشيخ قاسم ليس لديه مانع من هذه المشاركة، وقال بأن “هؤلاء الأخوة هم من الذين ينتمون إلى خطه ويلتزمون بتوجيهاته”. وحين وجد السيد كاظم مجرى النقاش قد دفعه نحو صُلب الموضوع وأهم إشكالاته (أي مدى الغطاء المرجعي للمشاركة في الحفل الأمريكي)؛ اضطر لأن يُغلق الباب، ويُعلن – باطمئنان – أن الأمرَ قد قُضي، ولا حاجة لمزيد من كلام أو تفسير.
سطّر المبررون الكثير من الردود على المعارضين والمعترضين على المشاركة المذكورة. وتحدثوا عن “اختراق” الوسط الأمريكي، ومحاولة الدخول في المجتمع الدولي وإيصال صوت الناس ومطالبهم، كما شابَهوا بين المشاركة في “الحفل” وبين العمل الحقوقي الذي يجري في الخارج وتواصُل المنظمات مع الجهات الغربية والأمريكية للضغط على النظام الخليفي، ودعوتهم لإصدار مواقف تندّد بانتهاكاته. وهناك منْ تحدث عن “سياسة ربطات العنق” وسحْرها على الرأي العام الغربي، وكيف أن هذه الربطات المصحوبة بالبدلات الأنيقة والابتسامات الورديّة؛ يمكن أن تنجح في كسر “الصورة النمطية” التي يروجها الخليفيون لما يجري في البحرين والتي تزعم أن المعارضة مجرد حفنة من المخربين أو ثلة مبتورة تشعل النار في الإطارات وسط الشوارع. اندفع آخرون في استجلاب وسائط التعبير “العِنْديَّة”، وعلى طريقة “ما شأنكم أنتم؟ هل فُرض عليكم الاعتراف بنا والدخول معنا؟ اعملوا كما ترون، واتركونا نعمل كما نرى!”، بعض هؤلاء نسي أن ثورة ١٤ فبراير ألغت كل هذه المفاهيم التبريرية، وأن أكبر نجاحاتها أنها أعادت الاعتبار للناس، ولحريتهم في مساءلة الجميع، من النخب والقيادات، ومن كل الاتجاهات والجماعات.
إلا أن بعض الوفاقيين، وهم في زحمة الدفاع والتبرير، لم يجدوا أنفسهم مضطرين للأخذ ب”حسنة السؤال والمساءلة”، وضرورة مراجعة وتقويم أداء قياداتها التي تقود الشارع اليوم في الداخل والخارج. هؤلاء لم يلسموا أن ثمة “حاجة أو ضرورة” لمعرفة كيف أن مشاركةً عابرةً في حفل “أنيس” أن يُحرِّك الواقع السياسي، ويقلب المعادلة لصالح المعارضة، وأن يُسهِم في “تدوير الزاويا”. وهم قد يجدون أن السؤال عن ذلك “فيه خبث ومكر وسوء نية” وقد يكون وراءه منْ يريد أن يكشف “أسرار العمل السياسي للمعارضة”! كذلك، فإن الوفاقيين الذين اندفعوا لإثبات صحة “المشاركة” في الحفل الأمريكي، ظنّوا بأنهم في مقام الدفاع عن صحة “المشاركة” في عمل سياسي معين، مثل المشاركة في البرلمان، أو في جلسة حوار خاصة مع الأمريكيين أو الخليفيين. ولذلك لم تتحرك زاوية التفكير لديهم نحو نقد الأخطاء المتوقعة، أو الوقوف عند “الإشكالات” الجزئية التي أثيرت في تفاصيل المشاركة في الحفل، من قبيل وضع العلم الأمريكي مثلا، وسبب عدم حضور معارضين من جمعيات معارضة أخرى، وعن السبب في تزامن هذه المشاركة مع استدعاء للتحقيق وصلَ مسبقا لعدد من الشخصيات الوفاقية المشاركة في الحفل. ولهذا السبب أيضا، لم يكن يسمح هؤلاء المبررون لأنفسهم أن يفكروا، أو يتعاطوا بعقل نقدي، مع السؤال الخاص بسبب غياب هؤلاء عن المشهد المحلي المشتعل، وعن مدى انسجام هذه المشاركة مع الموقف الفكري للتيار الذي يمثلونه، والذي عبّر عنه الشيخ قاسم أكثر من مرة، وبأكثر من طريقة، ولكن الوفاقيين يعتقدون بأن “منطقة فراغ واسعة” مُنحت لهم لكي يجتهدوا بما يرونه مناسبا، وبحسب ظروفهم، مطمئنين بأن هناك منْ سيبرر لهم، عدم الظهور في اعتصام الدارز، والصمت عما يحصل في البلاد، والظهور فجأة في أحضان الأمريكيين. إنهم لن يقدموا لنا شرحا ولا تعقيلا لهذا السلوك، لأن هناك من سيكون جاهزا ليخترع لهم قامومسا جديدا من الدفاع والتحصين، وبما لا يخطر على البال.