ساهر عريبيمقالات
كسر الجمود في المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة ٥+١
أعرب وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى توافق سياسي بين إيران ومجموعة ٥+١ أوائل شهر فبراير المقبل، وبالتزامن مع الذكرى السنوية ال ٣٦ لانتصار الثورة الإيرانية. إلا أن كبير المفاوضين الروس في المحادثات سرغي ربابكوف بدا أقل تفاؤلا، حيث توقع التوصل إلى اتفاق سياسي بين الطرفين في نهاية شهر مارس القادم.
وتأتي هذه التصريحات بعد جولة من المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني مع نظيره الأمريكي جون كيري يوم الجمعة الماضية في مقر بعثة الإتحاد الأوروبي في جنيف بسويسرا.
ومن المقرر أن يعقد ظريف لقاءات مع مجموعة ٥+١ على هامش منتدى دافوس الإقتصادي ومؤتمر الأمن المقبل في ميونخ.
وتأتي هذه التصريحات المتفائلة بالرغم من اعتراف ظريف بأن المفاوضات أصبحت شاقة ومعقدة أكثر من ذي قبل بسبب دخولها في مرحلة التفاصيل على حد قوله. فهل هناك حقا إمكانية للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين خلال الأسابيع القليلة المقبلة؟
الجواب نعم، بل إن هناك فرصة لتوقيع اتفاق خلال مدة لا تتجاوز الأسبوع، ولكن بشرط توفر الإرادة السياسية، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الإيراني، وأيده في ذلك وزير الخارجية الصيني كون وانغ. فهناك اليوم اتفاق بين الأطراف جميعا على ديمومة البرنامج النووي الإيراني، وعلى حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وفي رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها.
من الناحية التقنية، فإن هناك اتفاقا بين جميع الأطراف على نسبة تخصيب اليورانيوم اللازمة لتشغيل المفاعلات النووية لغرض إنتاج الطاقة الكهربائية والتي لا تتجاز ٤٪. وبالنسبة للتخصيب بنسب أعلى تصل إلى حد ٢٠٪ وفيما يتعلق بالأبحاث العلمية والاستخدامات الطبية؛ فهي الأخرى يمكن الإتفاق عليها ضمن نطاق محدود.
وبشأن التطمينات الدولية والضمانات بعدم انحراف البرنامج النووي الإيراني عن خطه السلمي، وتسخيره لأغراض عسكرية؛ فإن آليات المراقبة الدولية والتي تتولاها الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ كفيلة بضمان عدم خروج البرنامج عن مساره السلمي. ولذا فإن إدعاء الوزيرين الإيراني والصيني ليس ببعيد عن الواقع.
إلا ان فقدان الإرادة السياسية يحول دون التوصل إلى اتفاق بين الاطراف. ويعود فقدان هذه الإرادة إلى تداخل عدة عوامل تعقد المفاوضات وتجعل أمر التوصل إلى اتفاق نهائي بعيد المنال في القريب العاجل. فبعض هذه العوامل داخلية وتتعلق بالإنتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
فالجمهوريون الذين يهيمنون اليوم على الكنغرس لا يحبذون التوصل الى مثل هذا الإتفاق لأسباب عدة، ومنها الإنتخابات الرئاسية وتوجهات الجمهوريين التي تميل إلى المواجهة، واستخدام القوة، على العكس من الديمقراطيين وعلاقاتهم الوثيقة باللوبي اليهودي الأمريكي، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الموقف الإسرائيلي الحازم من البرنامج النووي الإيراني، وتهديدها باستخدام القوة العسكرية للقضاء عليه.
وهناك أيضا مواقف دول الخليج، وخاصة العربية السعودية، فهذه الدول تبدو قلقة من أي تقارب بين امريكا وإيران، اذ تعتبره موجها ضدها وسيكون على حسابها، وهي التي تحتفظ بعلاقات واسعة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، و تضم أراضيها عددا كبيرا من القواعد العسكرية الغربية.
وإذا اخذنا بنظر الإعتبار الصراع الغربي الإيراني، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران، فيمكن تفهم غياب الإرادة السياسية اللازمة لإبرام أي اتفاق بين الطرفين في القريب العاجل. فهناك اليوم العديد من الملفات الشائكة في المنطقة والتي تعتبر ايران طرفا اساسيا فيها، وفي طليعتها الملف السوري والعراقي واللبناني والفلسطيني واليمني وملفات أخرى أقل اهمية.
فتلك الملفات تلقي بظلالها على أجواء المفاوضات بشكل غير مباشر، بالرغم من أنها غير مطروحة على طاولة المفاوضات. ولايبدو الطرف الإيراني غير واع لذلك، وهو مدرك بأن التوصل إلى اتفاق بحاجة إلى تقديم تنازلات على صعيد تلك الملفات. وهذا يعني مقايضة البرنامج النووي الإيراني بتلك الملفات، وتخلي إيران عن نفوذها في تلك البلدان مقابل ديمومة برنامجها النووي.
إلا أن إيران التي تعتبر نشاطها النووي حقا طبيعيا ومشروعا لها وفقا للإتفاقيات الدولية في هذا الشان ووفقا لضوابط الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ليست بصدد تقديم تنازلات من أجل حق مشروع لها. وربما أن غض نظر المجتمع الدولي عن برنامجها النووي وتوجهها نحو انتاج سلاح نووي قد يغريها بتقديم تنازلات على صعيد تلك الملفات. إلا أن هذا الإحتمال غير وارد اليوم، اذ أن هناك اجماعا دوليا على رفض امتلاك ايران للسلاح النووي فضلا عن رفض ايران القاطع لأنتاج مثل هذا السلاح.
ولذلك، فإن فرص التوصل إلى اتفاق تبدو معدومة في ظل استمرار المفاوضات بهذا الشكل التقني والفني. ولابد لضمان نجاحها من انطلاق مفاوضات سرية رديفة على غرار مفاوضات عمان التي سبقت التقارب الأمريكي الإيراني، حيث تتناول تلك المفاوضات وبشكل صريح جميع الملفات السياسية العالقة بين الطرفين, وفي حال التوصل الى توافق بين الطرفين فإن ولادة اتفاق بين مجموعة ٥+١ وايران حول برنامجها النووي ستكون أسرع من لمح البصر!.