قراءة في خطاب السيد عبدالله الغريفي
البحرين اليوم – (خاص)
عباس الجمري
كاتب من البحرين
خلق خطاب السيد عبدالله الغريفي يوم الخميس 28 ديسمبر، في أحد مساجد البحرين، جدلا كبيراً في البحرين، ويمكن تلخيص مضمون الخطاب في ثلاث كلمات مفتاحية، تتفرع منها مطالب ومضامين الخطبة، الكلمات الثلاث هي: “إنتاج الثقة المتبادلة” بين المعارضة والسلطة، وإنتاج الثقة تحتاج إلى ما أشار إليه الغريفي من “تهيئة مناخات” ومن ضمنها مطالبه بـ “تصحيح أوضاع الشيخ عيسى قاسم وإلغاء أحكام الإعدام والإفراج عن المعتقلين”.
في هذا السياق يُطرح سؤال مهم جداً وربما عميق، هل ما قامت به السلطة منذ 2011 وحتى اليوم اليوم، هو مجرد عقاب قاس يتناسب مع حجم ما حصل؟ أم أن هناك أمرا آخر أعمق من مسألة العقاب؟
هناك قراءتان: الأولى تقول إنه عقاب يراد منه إسكات كل صوت تحرك منذ ما عرف بالربيع العربي وإلى اليوم، والقراءة الأخرى تقول إنه وبالإضافة لكونه عقاباً على ما حصل؛ فإن النهج “الأمني” الذي انتهجه النظام إنما يريد منه إفراز مشهد جديد مختلف تماما عما سبق”، وهذا الإفراد أو الإنتاج للمشهد الجديد ومن خلال الذراع الأمني؛ استهدف ثلاثة أركان: السياسة، الشرف، والعقيدة. ففي السياسة أغلق الجمعيات واعتقل كل الوجوه النخبوية والناشطة والمؤثرة، بدءا بكبار القوم وليس انتهاءا بالشباب والشابات والنساء والرجال. وأما الشرف، فقد جعل من الاغتصابات والتحرشات أداةً لتسييل الرد السياسي الحارق على مساحة الشرف الحساسة، وأما العقيدة فقد هدمت المساجد والمآتم واتهم “الخمس” كشعيرة بعنوان آخر وهو غسيل الأموال.
استهداف المساحات الثلاث تلك، أريد منه شل الحراك السياسي، مع علم الجميع أن أي حراك إذا توقف فإنه يقف عند “تسوية ما”، ولكن الحراك المعاقب والمشلول نسبياً لم يقف بعد عند أي “تسوية”، وهذا يعني أن الطرفين أو أحدهما لا يحتاج لذلك أو لا يريد.
وفي السياسة هناك مجموعة من الكلمات تقال للعلاقات الدبلوماسية، لكنها تعني فقط “المصلحة”، فكلمات مثل: (الثقة، الشراكة، الصداقة، التعاون المشترك..الخ) يقولها الساسة كتعبير جميل عن وجود ثمة مصلحة ما تقف عند الموضوع المتحدث عنه، فإذا كان هناك تسالم على إرادة النظام في “إنتاج مشهد سياسي جديد” و”أن السياسة تتطلع للمصالح المبنية على ميزان القوى”؛ فإن إدخال “إنتاج الثقة” بين المشهد الجديد والمصلحة السياسية تحتاج إلى الكثير من التأني، خصوصاً أن كل الوجوه الموصوفة بالاعتدال مُنكَّل بها.. إما بالمعتقل أو بغيره.
وفي مقابلة إستراتيجية فرز وإنتاج مشهد جديد؛ يقف مؤيدو خطاب السيد الغريفي عند نفس الأدوات التي تمت بها المصالحة في نهاية التسعينات، رغم أن الفترة مختلفة، ومع ذلك لا توجد “مبادرة” عميقة تغير ملمح العلاقة بين الشيعة والسنة وآل خليفة. بحيث تكون مقنعة للرفاع والرياض.
في المقابل، فإن الرافضين للخطاب يرون أن “إنتاج المشهد” هو مربط الفرس الذي يمكن الانطلاق بسرجها نحو بناء مستقبل حقيقي للوضع السياسي في البحرين.