قادة الثورة في البحرين: سائرون على درب ذات الشوكة
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: عبدالغني الخنجر
الناطق باسم حركة (حق)
نص الكلمة أُلقيت في الوقفة التضامنية مع قادة الثورة المعتقلين، ٢٣ يناير ٢٠١٨
في هذه الوقفة التضامنية مع الرموز القادة الذين يقبعون في سجون الدكتاتور حمد؛ نحاول أن نؤدي قليلاً من الوفاء لهم، وليس الهدف منها تسليط الضوء على شخصياتهم وتضحياتهم بقدر ما هي محاولة لإستخلاص بعض العبّر والقيم العامة التي تتفق على نُبلها وضرورتها في حياتنا مع كل سنن التاريخ البشري.
حتى في الغرب الملحد والإنتهازي هناك قصص لأبطال خلدهم التاريخ لأنهم قادوا شعوبهم نحو الحرية والكرامة، ولأنهم قدموا تضحيات كبيرة وتحملوا الكثير ومزجوا بين الحكمة والفكر والصمود الميداني، وتحمُّل السجون والتعذيب والعناء الشديد في سبيل الأهداف الكبرى المشروعة بين الأمم.
فلِمَ يا تُرى كُتب لهؤلاء المضحيين النصر، وجرى القدر بأن يصبحوا قادة لشعوبهم ومُثلا عليا في تضحياتهم وعطائهم ليتخطوا حدود مجتماعتهم، على الرغم من أن كثيراً منهم لا يؤمن بالله ولا ينتظر وعداً من الله بالنصر ضمن المنظور القرآني الذي ننظر له ونستنير به كموحدين مؤمنين!؟
والإجابة بديهية، فثمة قيم وركائز وسنن عمقها الله سبحانه وتعالى وجعلها مع فطرة الإنسان، وهي – كفطرة سليمة – كانت دليلهُ لو عُدم التوفيق في الإستضاءة المباشرة بالإيمان بخالق الكون جل وعلا، ولذا نرى على سبيل المثال شخصية المهاتما غاندي في مقاومته للإستعمار البريطاني في الهند، وكان يُقدم الكثير ويضحي بالكثير ويعيش مع البؤساء وينطق بالحكم ويقود مقاومة جادة للمستعمر، وهذا لا يعني أن نترك إيماننا بالله ويقيننا به وإنما أردت بهكذا مثال أن أصل إلى نتيجة وضعَ قانونها الباري جل وعلا، وهي حتمية انتصار المظلوم على الظالم عندما تتوفر في المظلوم الرغبة في انتزاع حقه والرغبة الجادة في الثبات والعمل الدؤب، وكلما كانت رغبته بعيده عن مصلحته الشخصية، كلما كانت أهدافه كبرى وأصبحت رغبته في تخليص غيره من الظلم والجور تكون أسمى وتكون حظوظه في النحاج والنصر أكبر، وليس ثمة هدف أكبر وأسمى من أن يضحي القائد من أجل أمته وشعبه.
رموزنا وعلماؤنا خلف القضبان أو الذين خارج السجون ولكنهم يضحون براحتهم ويعانون الحصار والتهديد من النظام، ويتعرضون للبطش والقتل، هم مصداق مهم ومفخرة لعموم أبناء شعبنا، بل تعتبر تضحياتهم وجهادهم في وجه السلطة الغاشمة مفخرة سيدونها التأريخ وستُدوَّن كقصة نضال خالدة مثل كثير من القصص النبيلة الخالدة على مر العصور والتي أضحت نبراساً لكثير من الأمم.
هؤلاء الرموز اختاروا طريق ذات الشوكة بمحض إرادتهم، فقد كانت لديهم فرص كثيرة للبروز والحصول على الأضواء الكاذبة، وقد كانت أمامهم فرص كثيرة ليحصلوا على راحت البال ويتسنموا المناصب الدنيوية هنا وهناك، ولكنهم أبو لأنفسهم أن يكونوا بغير طريق ذات الشوكة وأثبتوا بتضحياتهم صدق حديثهم.
يحدثنا التاريخ الإسلامي في صدر الدعوة عن معاناة الصفوة من المؤمنين ويضع الله ميزان التعامل والتقدير بشكل واضح فيقول الله في محكم كتابه الكريم “لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ”
في سياق الإطلالة على هذه الآية الكريمة يقول الشهيد مرتضى المطهري في كتاب الثورة والدولة: “السر واضح جدا أن مسلمي مرحلة ما قبل فتح مكة كانوا لا يواجهون إلا الصعوبات والمشقات وكان إيمانهم أكثر وإخلاصهم وإنفاقهم وجهادهم أكثر خلوصا”، ويضيف وهو يحذر من الإنتهازيين ومن تسلسلهم داخل الحركة ويرى أنها من أكبر الآفات. في المقابل يحمل المخلصون مسؤولية التصدي للثورة حتى نجاحها، ويعتقد مطهري أن فترة قطف الثمار هي أهم مراحل تصدي المخلصين للمحافظة على مكتسبات الثورة ودوامها. لأن نتائج تمكن الإنتهازية وزيادة تأثيرهم في الحركة تكون نتائج كارثية على جميع المستويات، لأنهم يفكرون في مصالحهم الخاصة ولا يحملون أي مبدأ.
رموزنا كانوا مصداقاً واضحاً للخلوص، فتاريخهم ومعاناتهم تشهد لهم، فهم الذين وقفوا مع المظلومين وسجنوا وعذبوا وأنتقم منهم الطاغوت ونكل بهم ولازالوا يقاومون ويرفضون الإستسلام.
نحن معهم وسنبقى معهم ما استمروا على منهجهم في نصرة المظلوم ومقارعة الظالم ونترقب اليوم الذي يتحقق فيه وعد الله بنصر عباده المستضعفين ليكونوا معنا ووسط شعبهم ومحبيهم.
الملك العربيد
في يوم من الأيام وقف الحقوقي البارز عبد الهادي الخواجة – والذي يقضي اليوم حكما بالسجن المؤبد – وقف ليقول في مسيرة للجنة العاطلين عن العمل بأن هذا الملك “كاذب وخائن للعهود”. ونحن نقول لعبد الهادي الخواجة وهو يعرف بأن هذا “الملك”: هو الأسوأ بين أسلافه، لأنه هدم مساجدنا وقتل أبناءنا وانتهك حرمات شعبنا، وهذا “الملك” دمر قيم مجتمعنا وأفقر شعبنا ومكّن الأجانب من استغلال وطننا. وعبث بمكونات شعبنا وجنس الغرباء من أصقاع الأرض لينعموا بخيرات شعبنا ويهينوا أصالتنا. وهذا “الملك” أيضا وقّع على إعدام شبابنا واعتقل نساءنا وتعدى على شعائرنا الدينية، وقد عُذّب في عهده الأسود علماؤنا وسُلبت جنسياتهم وزج بهم في السجون والمنافي.
إنه “خائن العهود” الذي قابل رقي شعبنا بالخبث والغدر والبطش. فهل ننسى وهل نصافحه من جديد!؟