في رمضان البحرين: تشييع رمزي لشهداء الفداء في بلدة سار
البحرين اليوم – (خاص)
في أجواء شهر رمضان هذا العام؛ طغت أرواحُ الشهداء وروائحهم على البحرانيين الذين استهلّوا شهر رمضان بلون غزير من الدماء التي سُفكت في ساحة الفداء ببلدة الدراز. المواطنون لازالوا يترقبون ما ستؤول إليه الأحداث في البلدة المحاصرة، وخاصة بالنسبة لآية الله الشيخ عيسى قاسم الذي تُفرض عليه الإقامة الجبرية منذ قرابة الأسبوع، وسط مخاطر محدقة وجدية بشأن نفيه قسرا خارج البلاد. وقد حرص المواطنون، ورغم الالتزامات الاجتماعية والدينية التي يُمليها الشهر الفضيل، على استمرار الحضور الوفائي للشهداء، لاسيما مع “الجريمة” الإضافية التي اقترفها النظام بدفنهم قسرا وبشكل سري في مقابر بعيدة عن مسقط رأسهم، ومن غير حضور ذويهم.
في بلدة سار، مسقط رأس أحد الشهداء الفدائيين الخمسة، وهو “الشهيد الحي” محمد الساري، اختار المواطنون تنظيم تشييع رمزي لشهداء الفداء، وذلك في موكب حزين طاف طرقات البلدة وفي أحيائها ورُفعت فيه نعوش رمزية طُبعت عليها صور الشهداء، ورُدِّدت خلال الموكب تكبيرات التشييع، مع هتافات التبريك والخلود للشهداء وعلى وقع اللطميات العزائية التي فاضت بأجوائها الحزينة سماء البلدة وليلها الرمضاني. (شاهد الفيديو: هنا)
في الموكب يتقدّم نعش الشهيد الفدائي، محمد الساري. ليس في تقديمه أي علاقة بكونه ابن البلدة، ولكن لأن هناك خصوصيات تجمعت في هذا الشاب الذي تلتقي عنده أبرز وأهم خيوط الأحداث على مدى ستّ سنوات. فالشهيد كان من أبطال تحرير ميدان الشهداء، (دوار اللؤلؤة) في فبراير ٢٠١١م، وكاد أن يكون في عداد الشهداء إلى جانب شهيد الفتح عبد الرضا بوحميد، حيث أُصيب برصاص في صدره، ونجا من الموت آنذاك وقد رآه أمامه، كما روى الشهيد ذلك فيما بعد. الجراح الخطيرة لم تكن مانعاً من اعتقال الشهيد، حيث ظلّ داخل القضبان وهو يُعاني من السجن والحرمان من العلاج اللازم. هذا المقطع يُذكّر بالثورة وهي في أوّل طلعتها، وفي أوج صورتها، وأحسن خيراتها، وكأن الشهيد يريد لنا أن نتذكر ذلك ونحن في هذا المنعطف الخطير بعد مرور أكثر من ٦ سنوات على الثورة. أما الخيط الآخر من خصوصية الشهيد فهو لقاؤه بآية الله الشيخ عيسى قاسم بعد الإفراج عنه، حيث ارتمى في حضن الشيخ، وترك لدموعه أن تنهمر بعفوية بين يديّ الأب الذي ربت على كتف الشهيد مسلّياً وزارعاً فيه الصّبر والصمود. لقاء لم ينقطع مداه، وقرّر الشهيد أن يكون ملازماً لحضن الشيخ وحصنه بعد أن بات الخليفيون يتربّصون به شرّاً، فلازمَ الشهيد ميدان الفداء، وكأنه يقول بأن الوفاء ينبتُ من هنا، وأن الفداء غُرِس في هذا الصدر الحسيني، فأضحى الشهيد الحيّ شهيداً فدائياً من المعدن النادر.