في الدفاع الحق عن الشيخ عيسى قاسم (٣-٣)
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: عبد الرؤوف الشايب
ناشط سياسي
معتقل في بريطانيا
كثيرون ممّن تغنّوا بقيادة الشيخ عيسى قاسم وولايته على المؤمنين؛ اضمحلوا الآن، وذلك عندما “حمي الوطيس”! فمنهم منْ لاذ بالفرار والنجاة بنفسه، ومنهم منْ لزم بيته! هذا قبل أن يقول الشيخ: “هذا الليل غشيكم فاتخذوه جملا”، أما فيما لو قالها؛ فإن الكثيرين سيتنفّسون الصعداء، ويفرحون بسقوط التكليف عن كاهلهم، مادام سماحته عفاهم عن حمله!
وقد يُحرّك البعض المسألة على طريقة الجدل المنطقي، فيقول إن الدفاع واجب عن كل مظلوم، (وهذا قولٌ حق)، ولا خصوصية لسماحة الشيخ، حيث إنّ حاله من حال الشباب والنسوة الذين يتعرضون كلّ يوم للقتل والتعذيب، (وهذا هو القول الباطل)، لأنهم يريدون أن يشرعنوا عدم الدفاع عن الشيخ، كما لم يتم الدفاع عن غيره، وليس العكس، أي الدفاع عن الشيخ والدفاع بنفس القدر أيضاً عن غيره، انطلاقا من تعوّذ المعصوم من “مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره” أيّاً كان هذا المعصوم، ولو أبسط فرد في المجتمع؛ فهنا يحمّل المعصوم نفسَه واجبَ الدفاع عن كل مظلوم، بغضّ النظر حتى عن عقيدته ودينه، فالمظلوم واجبُ النصرةِ بهذا العنوان، فإذا كان المعصوم يحمّل نفسه هذا التكليف تجاه الآخرين؛ فكيف لا يحمل الآخرون أنفسهم هذا التكليف تجاه المعصوم أو نائبه العام والخاص؟!
هذا الإمام علي يقول: “بلغني أن الرجل منهم يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها (…) ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجل منهم كلم ولا أريق لهم دم”. فكان يستنفر أصحابه للدفاع عن المظلوم، بما هو مظلوم، ما دام بحضرة الإمام، لذلك أوصى أبناءه في الوصية التي كانت قبل استشهاده عليه السلام بقوله: “كونوا للظالم خصما وللمظلوم عونا”، بمعزلٍ عن دينه ولونه وجنسه.
نعم، المطلوب إذن الدفاع عن كلّ مظلوم، وألا نتخذ خذلاننا لكلّ مظلوم ذريعةً لخذلان نصرة الشيخ، فحربُ النظام على آية الله الشيخ قاسم ليس لشخصه بوصفه فرداً من أبناء الدراز، بل بسبب الموقع الذي يتبوأه في قيادة الأمة، فهم يريدون إهانة المرجعية والإمامة، وخصوصا بعد العلم بأنه أكثر قيادة دعت إلى الحفاظ على العمل السلمي، وضبط النفس، وكانت صمّام أمان لانفلات الشارع. فالتعدّي عليه تعدٍّ صارخ على “نفسٍ زكية”. وعليه، فإنّ الدفاعَ مطلوبٌ من الجميع، و”إن تنصروا الله ينصركم”، فلمْ يستنصِركم مِنْ ذُلٍّ ولم يستقرِضكم مِنْ قُلٍّ استنصركم وله جنود السموات والأرض (..) إنما أراد أن يبلوكم أيكم أحسن عملا”.، فالنصرة ابتلاءٌ تظهر به هوية الأحسن عملا، وكما قال عليه السلام “ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا”.
ومع هذا، قد يختلف البعض معنا في نصرة كلّ مظلوم، وفي بعض المصاديق، ولكن القدر المتيقّن للجميع أن شأن سماحة الشيخ موْرد إجماع الأغلبية الساحقة، إنْ لم نقل بالإجماع الذي لا يشد عنه فرد. فالنظام الخليفي ماضٍ في غيّه. وما دامت الأنظمة الخليجية – وخصوصا في السعودية والبحرين – تُدار بالصبية، فلا نتوقع منهم رُشْدا أبدا. لذلك يتلاعب النظام بمحاكمة الشيخ وهو مطمئن البال في قدرته الوهميّة في السيطرة على الأوضاع، وهو في كل يوم يستعين بقوات دولةٍ أخرى، ليقول للشّعب “إنني معكم في معركةِ كسْر عظم، فإما أفْنيكم من الوجود، أو تتحولوا إلى عبيد أذلة صاغرين”! فهو هنا مثل يزيد، جعل الشعب أمام خيار: السلة أو الذلة، ونحتاج في هذا الموقف أن نقف وبشموخٍ مجلجلين بشعار “هيهات منا الذلة”، و”يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت ونفوس أبية”.
عرفنا إذن أن الواجب هو الدفاع عن كلّ مظلوم، ومن باب أولى المظلوم الذي يتبوأ منصب القيادة والإمامة، وعرفنا كذلك أن الدفاع لا يختصّ بفئةٍ أو جماعة، بل هو واجبُ الجميع تجاه الجميع، وعرفنا أن الشيخ لن يستنجد أحداً، بل على العكس قد يُسْقِط تكليف حمايته، وهنا لا يمكن أن يُطاع الشيخ، بل ولا المعصوم، لأن الأمر منهم ليس على نحو التكليف المولوي، بل على نحو الرخصة من المعصوم أو الشيخ. نعم لو كان أمراً مولويا؛ فلا يجوز المخالفة فيه، خصوصا للمعصوم. فالطفل الذي خرج وقال: “أميري حسين ونعم الأمير”؛ كان الإمام الحسين كارهاً لخروجه، والمرأة التي خرجت وقالت “أنا عجوز في النساء ضعيفة.. أضربة بضربة عنيفة”؛ كان الإمام قد قال لها ليس على النساء قتال. فلنفهم منذ الآن؛ أنّ هذا لو حصل فليس أمراً مولويا، بل هو رخصة يصحّ مخالفتها، بل هو الأولى، لإظهار الأحسن عملا.
بقي أن نعرف: هل هناك زمن خاص يبدأ فيه الدفاع، وينتهي؟
الجواب: إن البداية تبدأ ببداية وقوع الظلم، وينتهي التكليف برفع الظلم، وإلا يبقى الدّفاع أبد الآبدين، تحمله الأجيال وتتحمّل تبعاته. لذلك، كلّما واجهنا طاغيةً مثل يزيد؛ فإن علينا أن نهتف: “يا لثارات الحسين”، وليس ذلك من قبيل ثأر الانتقام والتشفي، بل للمشابهة والمشاكلة في الخط والمنهج، وضرورة الدفاع عن الحق. إذاً؛ ساعة الصفر، وصفّارة الانتهاء.. هو الواقع الخارجي.
وأخيراً، لمنْ يخطّط ويشتغل بتحديد الآليات والوسائل والأدوات؛ نقول إن “التكليف اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني”، فلو كان على عضو من أعضاء وضوئك حائلٌ فيجب أن تزيله. قد لا يتطلب إزالته إلا تحريكا يسيراً، وقد تستدعي إزالته دعكاً واستعمالاً للمزيلات الخاصة. المقصود؛ أن الموضوعات يعود تشخيصها إلى المكلف، فهو المعنيّ في تحديدها، وتحديد كيفية التعاطي معها. أما الحُكم فهو للشارع المقدّس، وقد عرفتم حكمَ وجوب الدفاع عن الشيخ حتى يرتفع عنه الظلم، فالوسائل تُحدَّد في الواقع والميدان، ولنعلم أن النظام قد أعدّ العدّة لإهانة موقع الإمامة والقيادة، وإهانة الشعب في شخص الشيخ، وقد يكون ذلك بالإقامة الجبرية، أو الترحيل أو السجن أو حتى التعذيب والقتل، فلن يتورّع النظام أن يُمارس أيّاً من هذه الخيارات، وعليه يجب الإستعداد لكل الخيارات.
وإذا كان الحال هو الوقوع في أقل الخيارات، ورحّل النظام سماحته؛ فلن تقوم بعدها للشّعبِ قائمة، بل سيناله الخسفُ! فعندما قُتل الإمام الحسين؛ رفع الإمام السّجاد طرفَ النساء وقال: “عمه استعدي للسبي”. فاستعدوا بعدها أن تُصابوا بالسبي والعبودية، وقتْل الأبناء، واستحياء النساء. إنه باختصار توقيعٌ على أنفسنا بالإعدام، علما أن الدفاع عنه لن يُقصِّر عمرا، ولن يُعجّل أجلا. وسنرى المثبطين ينتظرون “فتاوى” ترضيهم بناءاً على “الاستفتاء” الذي يقول: نحن شعب أعزل فما عسانا أن نفعل أمام جيوش مدجّجة بالسلاح!! ونسي أن الشيخ قاسم: “منْ رأيتموه يهتك عرض مؤمنة فاسحقوه”، وهل العرض أقدس من نصرة الإمام والقائد؟
هناك منْ سيقول: “عفوا أبا طالب.. لستَ مرجعا لتفتي أو تستنبط”! إذاً، قرّوا على مذلّة، والله لتحتلبنها دماً! فجميعُ الشعوب الثائرة كانت لا حول لها ولا قوة، واستطاعت بإرادتها أن تكسر أنوف الجبابرة، فما عسى أن يملك الصعلوك الخليفي، مقارنةً بالفراعنة والشاه وصدام والقذافي والمدعومين من أعتى الدول. إنّ الشعب الإيراني الذي أطاح بالشاه المدعوم أمريكيا وإسرائيليا؛ هتف “خميني يا امام”، أو لا تستطيعون أن تهتفوا: “قاسم يا إمام “؟! فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين، وإنْ كانت أعمالكم وأرزاقكم وأولادكم.. “أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره”.. ولا قوة إلا بالله.