عذرا يا إخوان.. “الشماتة” قد تكون من خير الفضائل
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: كريم العرادي
كاتب من البحرين
لا يوجد أحد من البشر الأسوياء لا يفرح بوقوع الظالم في حبائل ظلمه، سواء أكان هذا الظالم كبيرا أم صغيرا. والفرح هنا ليس إظهارا لغريزة مقيتة أو سلوكا مذموما، بل هو شعور طبيعي وانعكاس تلقائي للإحساس بأن “الأيام تدور” وأن هناك انتقاما إلهيا لابد أن يحيق بالظالمين، طال الزمن أم قصُر. في هذا الشأن، وفي الظروف التي تكون فيها “معركة الوجود” على أوجها؛ لا حاجة لكي يُتعب الإخوان أنفسهم في ترديد الدروس الأخلاقية على الناس، ولا حاجة في أن يقيّدوا مشاعر الناس – ومشاعرهم أيضا – بمفاهيم جميلة وسامية، ولكن ليس هذا محلها ولا مصداقها. فالشماتة إزاء عاقبة الظلمة هو شكل من أشكال الإيمان الناصع، وهو اتعاظ داخلي وإحساس عميق بأن الله تعالى مع المظلومين والأبرياء، وأن دعوات “يا منتقم” ضد ظلمة الأرض لها بالفعل أبواب مفتوحة في السموات العليا. وكما أن المظلومين سيكونون فرحين بلا حدود حينما تدور الدوائر على ظلمة كبار، أمثال حمد عيسى وخليفة سلمان، فإنهم كذلك لن يكتموا فرحتهم وهم يرون ظلمة صغارا، أمثال محمد الشروقي والشاووش، وقد صُبّت عليهم المصائب التي حَبَلوها وكادوا بمثلها للناس الأبرياء، ولو جاء ذلك بأيد ظالمة، وبأسلوب غير صحيح “حقوقيا”. بل على العكس تماما، فالشماتة في هذه الأحوال تكون أوْجب وأكثر عبرة! فالظالم الصغير يسقط بيد ظالم أكبر منه، وبمكائد ومسرحيات تُشبه تماما تلك التي حرّض عليها فيما مضى ذلك الظالم الصغير، تنفيذا لأوامر سيده الظالم الكبير. هل هناك أجمل وأنصع من أن يقف المرء أمام هذا المشهد شامتاً، ومعبرا عن كل مشاعره في الفرح والانبساط!؟
قد يكون مفهوما أن يستنكر بعض الأخوة الحقوقيين من طريقة اعتقال الشروقي والشاووش وبقية المرتزقة، فيتحدثون عن ضرورة وجود “أمر قضائي” للقبض عليهم، وأن يرفضوا نشر أسمائهم وصورهم علنا قبل أن يُحالوا لمحاكمة “عادلة” ويُثبت بعدها الاتهامات الموجهة ضدهم. هذا مفهوم تماماً، فأخوتنا الحقوقيون يفعلون ما قامت به منظمة هيومن رايتس ووتش، مثلا، حينما نشرت تقريرا حول تهديدات وزير الداخلية الخليفي الأخيرة بشأن ملاحقة مشغلي الحسابات الإلكترونية، ومن الظرافة هنا أن تهديدات الوزير الخليفي كانت – كما هو معروف – تتعلق بقضية الشروقي والشلّة المنحوسة، إلا أن تقرير المنظمة الدولية أعطى انطباعا بأن التهديدات تتعلق بالمدونين المعارضين، كما أوحى بذلك نشر صور النشطاء والمعارضين والمدونين غير الموالين برفقة التقرير. ومع ذلك، وأكرّر، فإن هذا السلوك الحقوقي مفهوم جدا، ولا أحد يمكن أن يُصادر على الحقوقيين طريقتهم في التعاطي مع قضية “حقوقية” تتعلق بطريقة الاعتقال وملابساته. ولكن، ولكن يا أخوان يا حقوقيين يا أعزاء، ما يجري في البحرين لا يمكن أن تتم قراءته، مهما كان صغيرا، بهذه الطريقة الحقوقية الوردية، وكأننا في بلد ديمقراطي أو كأن الشلّة المقبوض عليها كانت تدير حسابات معارضة للنظام، أو كأنها لم تتورط – مثلها مثل آل خليفة – في الكيد والتحريض ضد المواطنين والناشطين، وكان لها الدور الأكثر دناءة وخطورة في إشعال حرائق الفتن وهتك الأعراض!
لا شك أن الحقوقيين يملكون أكثر من أسلوب مناسب يحافظون من خلاله على منطقهم الحقوقي، وفي الوقت نفسه يحافظون على منطق الواقع، ومنطق الحق، وهما منطقان لا ينبغي أن يقفز عليهما أحد، وألا سيكون فاقدا للتوازن، وللمصداقية أيضا.
يا جماعة، تحلوا بالأخلاق الفاضلة واشمتوا بهؤلاء الظلمة ولكن لا تشتموا، ولتكن شماتتكم قولا وفعلا لا يخرج عن الحق، ولا يدخل في الباطل.