المنامة – البحرين اليوم
على غرار المشاهد التي شهدتها البحرين في مواسم عاشوراء الماضية، سارعت القوات الخليفية إلى شنّ تعدياتها على مظاهر عاشوراء للعام 2017م، واعتدت على الرايات السوداء والمضائف الخاصة بخدمة المشاركين في مواكب العزاء، فيما أبدى المواطنون موقفا واضحا في التصدي لهذه التعديات التي رافقتها هجمات قمعية وإطلاق الغازات السامة على الأهالي والأحياء السكنية.
ومساء أمس السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧م، دشنت بلدة المصلى المواكب العزائية الخاصة بإحياء ذكرى شهداء البحرين تزامنا مع ذكرى شهداء كربلاء، وانطق الأهالي في موكب “عزاء الشهيد” المركزي السنوي بمشاركة عدد من آباء الشهداء، وتقدّمت الموكب يافطة كبيرة عليها صورة آية الله الشيخ عيسى قاسم وشهداء الفداء الخمسة الذين قتلتهم القوات الخليفية خلال اجتياحها لاعتصام الدراز في مايو الماضي، مع شعار “نصرتي لكم معدة” الذي اختاره علماء البلاد شعارا لموسم هذا العام.
ورفع الأهالي شعارات أكدت الوفاء للشهداء، كما شددوا على عدم “الاستسلام للظلاّم”، فيما دوّت هتافات تدعو إلى إسقاط النظام الخليفي.
وعقب انطلاق الموكب، شنت مجموعة من المركبات العسكرية هجوما على البلدة، وشوهدت المركبات وهي تتجول في بعض أحيائها وقرب دوار الشهيد جابر العلويات.
ورغم أجواء الترهيب والانتشار العسكري في مناطق البحرين، أحيى البحرانيون ذكرى عاشوراء على أوسع نطاق، ورُفعت الرايات الحسينية والأعلام الخاصة بشهداء كربلاء، كما ارتفعت اليافطات التي تحمل عبارات وشعارات عاشوراء وكلمات الإمام الحسين بن علي الدالة على رفض الظلم وعدم بيعة الظالمين. واتشح السواد في الأحياء والشوارع الداخلية للبلدات، وتوافد المواطنون على المآتم التي فتحت أبوابها لعقد مجالس العزاء على فترات في النهار والمساء، وبينها العاصمة المنامة التي تنطلق منها مواكب عزاء مركزية يحرص المواطنين على المشاركة فيها بكثافة بعد الانتهاء من مراسم العزاء داخل البلدات والمناطق.
ويمر الموسم العاشورائي هذا العام في البحرين وسط حملات متجددة من القمع والاضطهاد ضد السكان الشيعة الأصليين، حيث يخضع الشيخ قاسم للإقامة الجبرية منذ ٢٣ مايو الماضي وتحاصر الآليات العسكرية منزله في بلدة الدراز، فيما لا يُعرَف عن حقيقة وضعه وأهله داخل المنزل منذ ذلك التاريخ.
وشكّل استمرار مسلسل التعديات الخليفية على مظاهر عاشوراء “تعبيرا عن المفاصلة التامة” التي باتت تحكم العلاقة بين البحرانيين وآل خليفة، بحسب ما ذكرت جمعية الوفاق (المغلقة) في بيان لها بمناسبة حلول شهر محرم، في حين لجأ الخليفيون إلى مواصلة سياسة “العلاقات العامة” في الخارج للتغطية على الانتهاكات المذهبية واستهداف شعائر المواطنين الدينية، حيث قال محللون بأن افتتاح ناصر حمد، نجل الحاكم الخليفي، لمركز خاص بالتسامح الديني داخل أحد المراكز الموالية لإسرائيل في مدينة لوس انجلوس الأمريكية “هو محاولة من النظام لحجب الأنظار عما يمارسه من اضطهاد ممنهج ضد الشيعة وعقائدهم وعلمائهم داخل البلاد”.
ورغم اعتقال وإبعاد كل القيادات السياسية والدينية المحلية، وبرفقة عمليات القمع والاضطهاد المتزايدة، إلا أن البحرانيين يحرصون في موسم عاشوراء على إظهار القيم والمباديء التي تميّزت بها ثورة الإمام الحسين بن علي، والتي ترسّخ مفاهيم العدل والحرية ورفض مبايعة القتلة والظالمين. وهو ما دفع أهالي سترة لاستنكار زيارة ثلة من الأفراد إلى قصر حمد عيسى في الصافرية الأسبوع الماضي، مدعين بأنهم يمثلون سترة وأهلها، وشدد بيان صادر باسم بلدات سترة على استهجان ما ورد في كلمة للنائب في البرلمان الخليفي عبدالمجيد العصفور أمام حمد، حيث ادعى “بيعة وولاء” أهالي سترة للحاكم الخليفي، وهو المعنى الذي التقطه حمد نفسه وحاول الإيهام في كلمة خلال الزيارة المذكورة بأن المواطنين في سترة هم “أهل بيعة” لنظامه.
وردا على هذه الإدعاءات، أطلق أهالي سترة حملة استوحت عنوانها من كلمة للإمام الحسين بن علي، حيث رفعوا شعار “مثلي لا يبايع مثله”، معتبرين حمد عيسى نموذجا ل”يزيد العصر”، وقالوا إن الجرائم والانتهاكات التي قام بها هي ذاتها الجرائم التي ارتكبها يزيد بن معاوية، بما في ذلك التعدي على العقائد وتحريف المفاهيم الدينية وانتهاك الأعراض والاعتداء علماء الدين وقتل المواطنين والمعارضين، وهي الأسباب التي كانت وراء ثورة كربلاء ورفض مبايعة يزيد.
ويرى ناشطون بأن استدعاء النظام الخليفي لنفر من رجال الدين إلى قصر حمد، ومع بدء موسم عاشوراء؛ كان محاولة لإسباغ “الشرعية” على التهديدات والتعديات التي باشر النظام بتنفيذها مجددا ضد الشعائر الحسينية، مع السعي لتمييع هذا الموسم و”انتزاع مفاهيمه الحقيقية ودروسه الخالدة في التضحية والفداء والثورة على الظالمين”، إلا أن فقدان رجال الدين الموالين للنظام “القيمة والاعتبار لدى البحرانيين، وفي الأوساط الدينية العامة والخاصة؛ لن يكتب النجاح لمثل هذه المحاولات والمساعي التي تؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية، حيث يزداد الموقف الشعبي في إحياء عاشوراء والتمسك بمعانيها الثورية والإنسانية، في حين يزداد الموالون لآل خليفة انكشافا وازدراءا في عيون الأهالي”، حيث يرون أنهم “باعوا دينهم من أجل دنياهم ومصالحهم الشخصية”، كما قال بيان أهالي سترة الرافض لإقحام المنطقة وسكانها في الزيارة “المشؤومة” لقصر الصافرية.