شوكة لندن.. وغصّة برلين
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: نادر المتروك
كاتب وصحافي من البحرين
جيّد جدّاً أن يقلبَ النظامُ رأسَه تحت قدميه، ويملأ أحداقَه بدموعِ الغضب والخيبة. لا داعي للمزيد لكي يفعله النشطاءُ في الخارج، غير أن يواصلوا ما هم عليه، مع قليلٍ من الحماسةِ والسياسة، وكثيرٍ من الصّوت العالي. في هذه العواصم المعصورة بالنّفاق؛ لابد أن يرتفع الصّوتُ ويمتدّ الصّدى، حتى تُصابُ آذانُ “الدّاعمين الغربيين“ بالإستياءِ وتهتزّ طبْلتُها، ولا تثريب على النّشطاء حين يبلع هؤلاء ألسنتهم فيزدادوا تخديماً لأتباعهم القتلة وتبييضاً لسوادِ جرائمهم، أو حين تنكسر “أذيالهم“ فتضطرّ لتحريك “منْ هبّ ودبّ“ لتفريغ أسوأ الأقوال والأفعال، ونفْث أقصى ما درّبهم عليه “الخبراءُ الغربيّون“ من أكاذيبَ وفنون في “القتل البطيء“.
على وجه الخصوص، وبهذهِ الحال؛ نجحَ النشطاءُ في لندن بأداء الواجب، وعبر تراكمٍ طويل من الخبرات، وبتعاضدٍ مثمر بين الحكماء الكبار والمبدعين الشّباب، فكسبوا الكثيرَ، أشخاصاً ومواقعَ ومظلاّت، وسجّلوا نقطةً بعد أخرى، وحوّلوا عاصمة “الأثرياء“ إلى ميدانٍ مفتوح يخشى أصحابُ الفضائح أن ينكشفوا فيه، أو يكونوا – صدفةً – تحت قبضة الثّلة التي غلبت جيوشاً من العلاقات العامة وصفقات السلاح وتاريخ الأمبرياليّة الطّويل. حصلَ ذلك رغم العلاقة الوثيقة التي تجمعُ آل خليفة بالحكومة البريطانية، وتاجِها. لقد فعلَ النشطاءُ هناك ما يشبه الفعلَ العميقَ لعوائل الشهداء داخل البلاد. كان صوتُهم بقوّة البارود وبفاعليّةِ الضربةِ الموجعة، ومثّلَ حضورهم الموازي، المزعجُ، وطريقتهم الفريدة في “تعقّب“ الجلادين وملاحقتهم؛ (مثّل) محاكمةً شعبيّة وميدانيّة يحسب لها الجلاّدون ألفَ حساب.
هي شوكةٌ غصّوا بها. إنْ حاولوا نزْعها فَضَحوا أنفسَهم بالصّراخ، وإنْ حاولوا بلْعها جرَحوا أنفسَهم وغصّوا بها أكثر.
في برلين؛ تحرُّكٌ على خطى لندن. الأجهزة السّعوديّة تتحرّك منذ أشهر لفعْل شيءٍ يمنع تكرار النموذج اللّندني. يُدرك آل سعود، ومعهم حكّام الإمارات، أنّ النّشطاء في الغرب مزعجِون لديكتاتورياتهم العريقة، وهم يعملون منذ زمنٍ على أن يكون استهدافهم للنشطاء جزءاً من إستراتيجيّةٍ ثابتة، وبوسائل مختلفة: تشويه الصّورة، الانتقام من أهاليهم في الدّاخل، مراقبتهم إلكترونيا ودسّ الفيروسات المتنوّعة لهم، اختراقُ صفوفهم وشراء منْ خفّ شرُفه، وتعميمُ القوائم الأمنيّة ضدهم في كلّ مكان ومحاصرتهم. يفعلون ذلك وأكثر بأموالٍ باهظة، وبمقابل لا يُحصى من الإغراءات والإكراهات.
ولكنّ الأيام تقول إنّ كلّ ذلك يذهبُ هدراً، وهمّةُ النّشطاء تزدادُ توقّداً، رغم العوائق والتحديّات، وهم مدعوون للبقاءِ على حالهم؛ تحدّياً واعتزازاً بالقدرةِ على إنجاز المهمّة. السّر في ذلك أن النشطاء على يقينٍ بأنّهم موصولون ومتّصلون بالدّاخل، وأن وقودهم الأصليّ آتٍ من إرادات الشّبان في السّاحات، وأنّ الزّادَ والمعاذ هناك، وأنّ كلمة الفصْل الوصْل هناك، وليس في أيّ مكان آخر. وهو يقينٌ صائب، وهو السّببُ الأكيدُ في استمرارِ نشطاء الخارج، وهو الشّرط المطلوبُ لمنْ يريد مِنْ نشطاء الخارج أن يكون دوره ذا معنىً، وألا يكون مجرد احتفال دعائي أو “إبراء للذّمة“. في الخارج، لابد أن يكون النشاط سياسيّاً، معارِضاً بلا توريات، ومتّصلاً بالأهداف التي يرفعها المواطنون في الدّاخل، أما بقية الأنشطة الحقوقيّة والإعلاميّة فإكمالٌ للصّورة، وإتمامٌ للصّوت، وإبلاغٌ للعالم.
في الخلاصة؛ لندن أضحت شوكة.. وبرلين ستكون غصّةً، وفي واشنطن وغيرها حراكٌ موصول بتلك وهذه.. وبجنيف، ليعمل هذا الحراك مثلَ المنصّة. أمّا العروقُ والجذور ففي داخل البلاد. والمنُتظر؛ فهو أن يتواضع الكبارُ للصّغار، وأن يوقّر هؤلاء أولئك، ويُبلغوا الرسالةَ التالية: “نحن قادرون على الإنجاز. انظروا.. لقد فعلناها وصنعنا ثورة ١٤ فبراير، والآن عليكم أن تفعلوها، معاً، أن تجلسوا وتحوّلوا الشوكةَ والغصّة والمنصّة إلى برنامج عمل سياسيّ هدفُه بتْر الديكتاتوريّة وتحطيم الأصنام..”.