سلطات البحرين تستبق الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان بسجن نبيل رجب
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: ساهر عريبي
إعلامي عراقي مقيم في لندن
أيدت السلطات الحاكمة في البحرين حكما الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠١٨ بسجن الحقوقي البحراني نبيل رجب لمدة خمس سنوات على خلفية تغريدات له دان عبرها الحرب السعودية على اليمن، وانتقد فيها كذلك ممارسات التعذيب السائدة في سجون البحرين.
اللافت في هذا القضية هو صدور الحكم قبل بضعة أيام من انطلاق أعمال الدورة 37 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تُعقد بجنيف من 26 فبراير إلى 23 مارس المقبل. حيث يبحث ممثلو الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وممثلو منظمات المجتمع المدني الأوضاع الحقوقية في مختلف دول العالم، حيث يعكس هذا الحكم تحديا للمجلس وللمجتمع الدولي.
ويمثل مجلس حقوق الإنسان أعلى هيئة دولية معنية بتعزيز ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، وعادة ما يشارك في أعماله مسؤولون رفيعو المستوى من مختلف الدول وخاصة الدول الكبرى، فيما يلقي المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين كلمة في أولى جلساته الإفتتاحية، يستعرض خلالها أوضاع حقوق الإنسان في العديد من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
وتعتبر البحرين واحدة من أهم الدول التي تستحوذ على اهتمام المفوض السامي الذي عادة ما يطالب السلطات فيها بالتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان، ويذكّر بأن ”القمع لن يؤدي إلا إلى المزيد من المظالم“. لكن السلطات وبدلا من الإصغاء لدعواته؛ فإنها تعمد إلى تجاهلها بل وإلى الإنتقاص من شأنه، وكما فعل وزير خارجية آل خليفة في البحرين في العام الماضي عندما وصف المفوض السامي بأنه “لاحول له ولا قوة”.
وبالمقابل، دأبت السلطات في البحرين خلال السنوات الماضية على الإنتقام من الناشطين الحقوقيين الذين يشاركون في دورات مجلس حقوق الإنسان، سواء عبر اعتقالهم وتعذيبهم – وكما حصل مع الناشطة ابتسام الصايغ – أو عبر إصدار أحكام مطولة بالسجن عليهم، وكما هو عليه الحال في قضية رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب، أو الإنتقام من عوائلهم داخل البحرين، كما حصل مع عائلة الناشط سيد أحمد الوداعي، بالإضافة إلى منع الناشطين من السفر.
وعادة ما تمر هذه الإنتهاكات مرور الكرام أمام أنظار الدول الـ 47 الأعضاء في المجلس، وخاصة الدول الحليفة للنظام، وفي مقدمتها السعودية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وبالرغم من نجاح بعض الدول الأوروبية، ومنها سويسرا، في إصدار بيانات إدانة ضد النظام في البحرين، إلا أن مفعول تلك البيانات يظل حبرا على ورق، لأن مجلس حقوق الإنسان لا يمتلك الصلاحية اللازمة لفرض قراراته على الدول، إذ تقتصر أعماله على إصدار توصيات غير ملزمة للدول.
إن هذا الخلل البنيوي في طبيعة المجلس وطبيعة قراراته؛ يعتبر اليوم عاملا مشجعا للدول التي تنتهك حقوق الإنسان للإمعان في ارتكاب الإنتهاكات دون أن تعير أدنى اهتمام للمجتمع الدولي. كما أن بعض تلك الدول المعروفة بسجلها السيء على صعيد حقوق الإنسان، كالبحرين، تحظى بدعم عدد من الدول المؤثرة في المجلس التي تسعى للإطاحة بأي مشروع قرار يدين النظام في البحرين بشدة، بل إنها تحاول في بعض الأحيان تلميع صورة النظام عبر الإشارة إلى بعض الإجراءات الشكلية التي اتخذتها السلطات، مثل تأسيس مكتب للتظلمات، بالرغم من أن أوضاع حقوق الإنسان تدهورت بشكل كبير بعد اتخاذ تلك الخطوات.
لكل ذلك جاء هذا الحكم بحق نبيل رجب ليعكس استهزاء سلطات البحرين بأعلى هيئة دولية معنية بتعزيز ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، فنبيل رجب يعتبر اليوم واحدا من أشهر الشخصيات الحقوقية في العالم، وقد أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها من محاكمته، لكن السلطات تبدو غير آبهة بموجة الانتقادات التي ستتعرض لها خلال هذه الدورة المقبلة من قبل منظمات حقوقية دولية، ومن قبل بعض الدول الأعضاء في المجلس، طالما أن تلك الإنتقادات تظل في دائرة الكلام ولا تُترجم إلى أفعال.
ولذلك، فإن الوقت قد حان للمجتمع الدولي لرد الإعتبار لمجلس حقوق الإنسان عبر إعطائه صلاحية إصدار قرارات ملزمة للدول، على الأقل على صعيد ضمان سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان، وعدم اعتقالهم أو الإنتقام من عوائلهم او تجريدهم من جنسياتهم على خلفية عملهم الحقوقي. وأما في حال استمرار المجتمع الدولي بنهجه الحالي في التعاطي مع الدول القمعية؛ فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سيصبحان في “خبر كان”، وستعود العديد من دول العالم إلى “قانون الغاب” الذي يكون البقاء فيه للقوي.. وليس للأصلح.