المنامة – البحرين اليوم
تأخذ بلدةُ الدراز من شيخها الكبير ملامحَ تُشبه حكاية الثلاثمائة يوم ويزيد، والتي لن يخطيء التاريخ في تدوينها بوصفها حكاية “الذين لا يعجزون“، ولو تماطر عليهم الملثمون الأوغاد من كلّ الجهات.
مثل لسانِ شيخها البليغ، وخطابه الفصيح؛ تظهر البلدةُ – بتائها غير المكسورة وجمعها السّالم في تذكيره – في كلّ مرّة بحليٍّ ولآليء تُبهِرُ المُحبين، وتزيد الحقدَ والخيبةَ في نفوس آكلي الأكباد.
هذه المرّة يُريَ أهل البلدة العالمَ صورَ المعتقلين في سجون آل خليفة، ليقولوا – لمنْ بقي فيه ضمير حيّ وسمْع مجيب بالخير – إنّ هؤلاء يعانون كلّ يوم، منذ وقتٍ يصعبُ وضْعُ بدايته. العذاب حولهم مثل كلب مسعور. يُحرَمون من أبسط حقوق “الآدميّة“. فيهم رموزٌ ونخبة الوطن الأخيار، يمزّقهم المرضُ بصمت، ويُمنعون من دفْع الموت البطيء. هناك منْ أُخفي قسْراً عن أهله وولده، وبعضهم يُحبَس بالجملة مع عائلته وأقاربه وفلذات كبده. وفي كلّ الحكايات عَبراتٌ غزيرة، تفيض بالعناء والمعاناة. ولكن، وكما هي “ساحة الفداء”؛ ليس هنالك انكسار بين الأحرار في السجون،
يرفعون صورَهم للأعلى، لأنهم “تيجان الوطن”، وبهم تشمخ الرؤوسُ والنفوس. أما الأبناء الصّغار؛ فيقرّبون الصّورَ إلى حيث تتدفق المشاعر، وتتفجّر الأشواق، ليسمعوا صوت آبائهم ويقتربوا أكثر من الحنين الممسوح على وجوههم المرهقة بآلام البُعاد وقساوة القضبان.
يكتبون أسماءهم، وينطقون بها.. بالألسن والميادين؛ لأنهم الذاكرةُ الحيّة التي تقول للكبير والصّغير، الحاضر والغائب؛ بأنّ “الثورة مستمرة” ما دام واحد من هؤلاء قيْد السلاسل وبين يدي مرتزقةٍ تشرّبوا أسوأ ما في كأس الغزاة.
ولأن “لنا سجناء يلقون عناء”؛ فلن ينضب هذا النبض. ولن يفتر هذا الجمع، وسيعجزون ولن نعجز. ويعود لحسين العصر الكلامُ: “لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”.