خيارات السعودية لمواجهة “جاستا”
ساهر العريبي – إعلامي
يخطيء من يظن بأن السعودية لاتمتلك خيارات مؤثرة لمواجهة قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف إختصارا ب “جاستا” والذي تبناه الكونغرس الأمريكي بغرفتيه الشيوخ والنواب أواخر الأسبوع الماضي. وهو القانون الذي يفتح الباب واسعا امام عوائل ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية لمقاضاة السعودية. وتنبع خطورة هذا القانون من كونه قد يؤدي الى وضع المملكة العربية السعودية على حافة الإفلاس في ظل أوضاع أقتصادية متدهورة تعيشها اليوم.
إذ تشير التقديرات الى أن حجم التعويضات قد يصل الى عتبة ال 4 تريليون دولار , أي مايعادل حجم إيرادات السعودية من النفط لمدة 20 عاما. كما وانه يعبد الطريق أمام سلسلة من العقوبات الدولية في حال أثبتت المحاكم ضلوع السعودية في تلك الهجمات التي وقعت في العام 2001. ويسود وجوم في العربية السعودية وفي دول الخليج التي لم تصحُ من الصدمة التي سببها إقرار القانون وبأغلبية ساحقة تعكس إجماعا سياسيا امريكيا عليه.فهذه الدول تعتبر نفسها حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة, وأعطت امريكا تسهيلات عسكرية كبيرة حتى تحولت الى محميات امريكية.
لكن هذه الدول وفي مقدمتها السعودية نسيت بانها تمتلك حزمة واسعة من الخيارات السياسية والإقتصادية والدبلوماسية لمواجهة هذا القانون وبما يجعل أمريكا تدفع ثمنا غاليا لفتحها هذه القضية التي ستؤدي الى إدانتها على حد سواء مع السعودية. وأما اهم الخيارات السعودية فهي:
أولا: أن تكشف السعودية عن ضلوع الولايات المتحدة معها في دعم الإرهاب العالمي, وتلك حقيقة اعترفت بها المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون , والإتهام الذي وجهه المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئيس اوباما بتأسيس تنظيم داعش والذي عاد وتراجع عنه بعد ايام من إطلاقه. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن أمريكا صمتت عن إتهام السعودية بدعم الإرهاب لمدة 15 عاما ولم تفرج عن الوثائق السرية التي تدينها الا بعد مرور تلك المدة, واستمرت في تحالفها الوثيق معها طوال تلك المدة بالرغم من علمها بالدور السعودي في دعم الجماعات الإرهابية في العالم, ولذا فإن الولايات المتحدة شريك أساسي للسعودية في دعم الإرهاب, فلم تدفع السعودية لوحدها الثمن؟
ثانيا: إن السعودية وهي اكبر منتج للنفط في العالم, قادرة على إرباك الإقتصاد الغربي عبر خفضها لإنتاج النفط والتنسيق مع الدول الأعضاء في منظمة اوبك بهدف إعادة الأسعار الى المستوى الذي كانت عليه قبل عامين. إن مثل هذه الخطوة ستشكل ضربة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثا: إن صفقات السلحة التي تبرمها السعودية مع أمريكا, تشكل محركا كبيرا للإقتصاد الأمريكي, وقد أبرمت في عهد إدارة أوباما صفقات لشراء أسلحة بلغت قيمتها 115 مليار دولار, وقد آن الأوان للسعودية للتوجه نحو الشرق وخاصة روسيا والصين لبدء عملية تغيير في تسلحها قد تجعلها في غنى عن الأسلحة الأمريكية خلال عشر سنوات.
رابعا: أن تبادر السعودية الى وقف عدوانها على اليمن والتوقف عن لعب دور شرطي أمريكا في المنطقة, فهذه الحرب تركت السعودية وحيدة وبلا تعاطف من العالم الإسلامي وكما أرادت امريكا, فقتلها للنساء والأطفال وتدميرها للبنية التحتية لأفقر بلد عربي, جعلتها في موقف لا تحسد عليه دوليا وإسلاميا وعربيا, ولذا فهي مطالبة اليوم بإعادة مد الجسور مع شعوب المنطقة وخاصة مع الشعب اليمني الذي فشلت في كسر إرادته, وأن تبدأ حملة لإعمار اليمن وترك الشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه.
خامسا: أن تكف السعودية عن دعم الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد, فهذه الحرب المستعرة في سوريا أرهقت السعودية واستنزفت موارد العديد من دول المنطقة, ولم تخدم سوى الشركات المصدّرة للأسلحة, وأن تعمل لإيجاد حل للأزمة السورية يقرره الشعب السوري بنفسه.
سادسا: تمتلك السعودية خيار إحداث ثورة في العلاقات بين دول المنطقة, عبر توجهها نحو الشرق والبحث عن افضل السبل للتعاون مع ايران والتفاهم معها حول العديد من ملفات المنطقة وبما يؤدي الى إحلال السلام في العديد من الدول المجاورة ومنها البحرين والعراق.
سابعا: توقف السعودية كافة أشكال التطبيع مع اسرائيل, فالسعودية تم استدراجها الى تقديم التنازلات تلو التنازلات لأمريكا ظنا منها أن أمريكا ستغفر لها تورطها في دعم الإرهاب, لكنها اكتشفت اليوم أن التحالف الأمريكي معها طوال السنوات الماضية لم يكن سوى شبكة لإيقاعها في العديد من المطبات ومنها التطبيع مع اسرائيل وأخيرا استدراجها الى المحاكم الأمريكية.
ثامنا: أن تفعل السعودية منظمة المؤتمر الإسلامي وتحولها الى تجمع إقتصادي وسياسي إسلامي كبيرا ,خاصة وان الدول المنضوية تحت لوائها تمتلك من المؤهلات التي تجعلها قوة لا يستهان بها, فهناك باكستان النووية وايران ذات الثقل الإقتصادي والسياسي والعسكري والعلمي ,وماليزيا بتطورها التكنولوجي وتركيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية الغنية بمواردها البشرية والإقتصادية.
تاسعا: ان تبادر السعودية الى تجفيف منابع الإرهاب في داخلها وخاصة المؤسسة الدينية الوهابية وان تضغط عليها لإصدار فتاوى تحرم تكفير طوائف المسلمين الأخرى التي تختلف معها في قرائتها الى الدين, وأن تتبنى وبشكل رسمي مذهبا من المذاهب الإسلامي التي أجمع عليها اهل السنة في إعلان غروزني الشهير. وأن تغلق كافة القنوات ووسائل الإعلام التي تنشر الفتنة والكراهية, وان تحاسب جميع رجال الدين الذين أججوا لنار الفتنة الطائفية.
عاشرا: وأخيرا فإن السعودية مطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة في الداخل وبالشكل الذي يؤدي الى اشراك الشعب في إدارة شؤون البلد واقتسام ثرواته وذلك عبر التحول الى نظام ملكي دستوري يكون قدوة يحتذى بها في دول الخليج.
لا شك بان مثل هذه الخيارات ستجهض قانون جاستا وستجبر الولايات المتحدة على إعادة النظر في الإجراءات المترتبة عليه , ولكن لابد من التذكير بان هذه الخيارات هي خيارات الأحرار وليست خيارات العبيد!