العوامية، شرق السعودية – البحرين اليوم
في الخامس من أبريل ٢٠١٧م أصدر خبراء الأمم المتحدة المعنيون بالحقوق الثقافة والسكن والفقر؛ بيانا دعوا فيه الحكومة السعودية إلى “الإيقاف الفوري” لمخطط هدم حي المسورة في بلدة العوامية شرق السعودية، وذكّر الخبراء آنذاك بالطابع الثقافي لهذا الحي الذي يعود تاريخ تشييده إلى ٤٠٠ سنة ماضية.
بعد أقل من شهرين، نفذت السلطات السعودية مخطط الهدم، وبواسطة “عملية عسكرية” وصفها نشطاء بـ”الاجتياح الدموي والغزو الطائفي”.
في توصيف العلاقة بين نظام آل سعود والأمم المتحدة؛ فإن هناك منْ يعتبر أن هناك “ازدراءا” غير محدود يمارسه السعوديون تجاه المنظمة الدولية التي لا تفعل، بدورها، الكثير لكي توقف هذا السلوك “المتغطرس”، بل إن الأمانة العامة والمؤسسات الأممية التابعة لها طالما أعطت الرياض ما يُشجعها على “اقتراف” المزيد من “الوقاحة” في معارضة الدعوات الأممية. وليس ملف “القائمة السوداء” الخاصة بقتل الأطفال ببعيدٍ عن الأذهان.
في موضوع حي المسورة؛ كان لافتا أن الخبراء الأمميين ثبّتوا الطابع التاريخي للحي، وأكدوا بأنه “يتمتع بتراث فريد”، وأوضح الخبراء كذلك بأن قيمة الحي التراثية تتعدى حدود بلدة العوامية لتشمل المنطقة كلها. وهو ما يعني أن الاجتياح الدموي وعمليات الهدم والتخريب غير المسبوقة التي واجهتها العوامية منذ شهر مايو الماضي؛ لم تكن تقف عند حدود قتْل البشر، واضطهاد الشيعة، واستهداف الحراك المطلبي في القطيف؛ ولكنها كانت أيضاً واحدة من “أبشع وأفضح عمليات الإبادة الثقافية في الخليج”، كما يقول أحد النشطاء الذي يُبدي “الاستغراب الكبير من الصمت الدولي أمام هذه الجريمة التاريخية، جنبا إلى جنب الصمت المخزي إزاء عمليات القتل على الهوية والتهجير القسري الذي تعرض لها سكان العوامية”.
اللافت أيضاً أن ردود فعل “الأمم المتحدة” في هذا الشأن؛ صدرت تحديداً من جانب الخبراء الأمميين، وهم معيّنون من جانب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويوصف عملهم بأنه “شَرَفي”، وليسوا موظفين تابعين للهيئة الأممية، ولا يتقاضون أجرا على عملهم، أي أنهم ليسوا ذوي أية سلطة فعلية داخل البناء الإداري للمجلس. وهذا يعني – في المحصلة – بأن الهيئة المذكورة – بكلّ مؤسساتها – ارتضت عمليا أن تكون في موقع “الصمت التام” حيال الجرائم المنظَّمة التي طالت التراث الثقافي في العوامية، وهي جرائم عاد الخبراء أنفسهم في مايو الماضي وأكدوا بأنها أدت إلى “إحراق مبان تاريخية” بعد أن تحرّكت الجرافات “بمساندة قوى عسكرية مسلحة” في ١٠ مايو الماضي “لهدم المباني والمنازل في الحي التاريخي المسوّر وفي أماكن أخرى من العوامية”.
قد يكون الخبراء في وضع لا يُحسَد عليه، فهم في النهاية محكومون بمنظمة قرّر “الغالبون” فيها إسقاط مفهوم “الإبادة الثقافية” من معاهدة “منع الإبادة الجماعية” لتجنيب أولئك “الغالبين” خطر الملاحقة المؤكدة، إلا أن المشاهد التي تُنقل من حي المسورة بعد تسويته في الأرض وبعد ما تعرض له من “أضرار لا يمكن العودة عنها بعد اليوم”، كما عبّرت المقرّرة الخاصة المعنيّة بالحقوق الثقافيّة، كريمة بنون، (هذه المشاهد) تدعو بحسب نشطاء إلى “جهد نضالي جاد” ورديف للحراك المطلبي في الميدان، يكون منصبّاً على توثيق ما حصل في الحي ضمن ملف “الإبادة الثقافية” والتي تتوفر فيها في حالة حي المسورة كلّ عناصر التدمير الممنهج، وبخلفيات مذهبية وسياسية خالصة، وكما تُثبت ذلك العديد من الصور والمشاهد المتلفزة والخطابات الرسمية وشبه الرسمية للمسؤولين في السعودية.
يؤكد ناشطون ميدانيون بأن “المقاومة” التي أبداها أهالي العوامية، سواء من جانب الشّبان الذين رابطوا حتى النهاية في وجه “الغزاة”، أم السكان الذين تشبثوا بالأرض ورفضوا التنازل عنها، (هذه المقاومة) كان لها الأثر “الكبير” في إجبار آل سعود على إعادة النظر في العديد من سياساتهم “التدميرية” التي فشلت في تحقيق أهدافها السياسية على وجه الخصوص، وقد استطاعت هذه “المقاومة” أن تكون تكون “إرثاً ملموساً ستحتفي به الأجيال المقبلة وهي تتذكر الإرث الثقافي الذي هدمه السعوديون”، كما يضيف أحد النشطاء.
حتى الآن، لا زال هناك نحو ٣٠٠٠ مواطن من سكان حي المسورة مهجرين، وتعذر عليهم أن يعودوا مع قوافل العائدين، لأن منازلهم دُمّرت وسُوّيت في الأرض. وبحسب جهات أهلية، فإن الحي أصبح “فضاءا خاليا” بعد تدمير نحو ٤٨٨ منزلا، و٦ مساجد، و٨ مآتم حسينية، وحوزة دينية واحدة، فضلا عن الأضرار الفادحة التي طالت المباني المجاورة للحي. وكلّ ذلك والأمم المتحدة لسانُ حالها “لا أرى.. لا أتكلم”.