حضور السفير الأمريكي ليلة العاشر في المنامة: “متلازمة واشنطن” مع القمع في البحرين
البحرين اليوم – (متابعات)
حضور السفير الأمريكي وليام رويبوك إلى العاصمة المنامة، ليلة العاشر من المحرم؛ هي سلوك طبيعي من رجل “انتهت صلاحيته“ ويُسارِع الآن لكتابة تقرير “مزيّف“ يُفترض أن يقرأه خلفه السفير جستين سيبريل في الفترة القريبة المقبلة. ينبغي التذكير هنا أن سفراء أمريكيين سابقين اعتادوا على القيام بمثل هذه الزيارة، والتي تأتي ولاشك ضمن العمل “الطبيعي” للسفراء الأجانب “الأساسيين” في البلاد لرفع التقارير إلى حكوماتهم.
الموضوع الذي يريد تقرير السفير الأمريكي التركيز عليه بعد هذه الزيارة هو هو ملف الاضطهاد الديني، والذي عالجه تقرير “لجنة الحريات” الأمريكية الأخير بطريقة ثبّتت ضد النظام الاتهامات المعروفة. ليس من المنطقي أن دونالد ترامب غير راض أو غير موافق على التقرير الأمريكي الرسمي، فهذا الرئيس الذي جاء على “كفّ شيطان“، وبالتدرّج التاريخي لصعود الشّر؛ أكّد عمليا بأنه ليس معنيّا أو مضطرا لتبييض صفحة أي نظام أو رئيس عربي لشرعنة التعامل معه، فهو لا يجد ضرورة في ذلك لإتمام أي صفقة أو موقف أو سياسة يريد بناءها مع هذا النظام القمعي أو ذاك، مما يتعارض مع معايير حقوق الإنسان. تماما كما حصل أمس الجمعة ٦ أكتوبر ٢٠١٧م بعد الإعلان عن صفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة مع السعودية، وبوقت متزامن مع إدارج الأخيرة أمميا على “اللائحة السوداء” بسبب جرائمها في اليمن. في شأن البحرين، أسقط ترامب المعايير الإنسانية، بلا اكتراث، ومنذ البداية، وعبّر عن ذلك بصدق وَقح حينما استقبلَ حمد عيسى في الرياض بشهر مايو الماضي، وطبعَ على راحةِ يده “الضوء الأخضر” ليفعل ما يشاء، وقد فعل ما هو المتوقّع بمعتصمي الدراز وبالشيخ عيسى قاسم.
إذا كانت سياسة دونالد – إذن – ماضية في هذا المسار الداعم لآل خليفة، فماذا سيقول التقرير الأمريكي الذي يُفترض أن السفير أعدّ مسودته الأولى بعد زيارة المنامة خلال واحدة من أهم المناسبات الدينية للسكان الأصليين في البلاد؟
الزيارة، في النهاية، هي شكلٌ آخر من “البروتوكول” الأمريكي المعتاد في تمرير الانتهاكات. كان فيلتمان في البحرين العام ٢٠١١م، وتداولَ أفكارا لمعالجة الوضع المحلي، بحسب الظاهر، ولكن كان حضوره بمثابة إفساح الطريق لعبور الدّبابات السعودية وارتكابها المجازر المصغَّرة بحق البحرانيين. بالمثل، كانت مباركة البريطانيين والأمريكيين للانتخاباتِ البرلمانية قبل ٣ أعوام؛ قبولا مباشرا، وليس ضمنيا فحسب، لقرار اعتقال الشيخ علي سلمان، أحد أبرز المعارضين البحرانيين الذين اضطهدوا بشكل ممنهج رغم سيرتهم السياسية “السلمية” المعروفة لدى الأمريكان، حيث كانوا يلتقون بالشيخ سلمان وبغيره. كذلك، فإن زيارة السفير الأمريكي روبوك لمجلس السيد علوي الغريفي، في نهاية يونيو الماضي، لم يكن صدفة أنها تلاقت زمنياً مع موجة القمع الجديدة التي توالى فيها سفك الدّماء وازدياد الاضطهاد الطائفي. مثل هذه التلازمات كثيرة، حتى بات ظهور الأمريكي أو البريطاني على سطح الأحداث المحلية؛ استهلالا لقمع مقبل وانهمار دماء جديدة للبحرانيين.
وغير بعيد عن ذلك، وبكثير من الأسى؛ فإن حصان الملكة إلزابيث الذي أُهدي إلى الحاكم الخليفي حمد عيسى الأسبوع الماضي؛ سيُطلق ولاشك العنان، أكثر وأكثر، لوحوش آل خليفة. وقبل ذلك وبعده، فإن الإسرائيلي ليس بعيدا عن متلازمة القمع في البحرين، وحريّ بالمولعين بالتعبير عن “القلق البالغ” أن يُجهّزوا الكثير منه بعد ذهاب ناصر حمد إلى نيويورك ولقائه هناك بالحاخامات التابعين لإسرائيل، ليعود “الأمير الجلاد” المتهم بالتعذيب إلى البلاد محمولا بقرار من والده عيّنه بموجبه في “أعلى سلطة قمعية في البلاد“ كما يفضل معارضون أن يصفوا ما يُسمى بمجلس الدفاع الأعلى.
ما النتائج التي تحققت الآن؟
ليس هناك أي انتصار للنظام وداعميه الأمريكيين والبريطانيين خاصة. ارتكاب القمع والاضطهاد والقمع لا يحمل أيّ معنى للانتصار الحقيقي، كما يعرف الذين يجيدون قراءة توازنات القوة العسكرية التي يُكبّلها الشّللُ وفقدان “الهدف”، بسبب المتغيرات الإستراتيجية المحيطة، والتي يكون فيها “الناس” بالمرصاد للمخططات والتآمرات.
في البحرين، أفشل المواطنون كل محاولات واشنطن ولندن لإعادة ترميم الشرعية المشروخة للنظام الذي لايزال يطالب الناس بإسقاطه في التظاهرات اليومية التي تعم البلاد. فضلا عن الإخفاق المشهود لخطط النظام في استدراج الشارع السياسي المعارض إلى مشاريعه المدجنة، ومنها الانتخابات البرلمانية التي تمثل واحدة من الأحداث التي يستعر بسببها التآمر الأمريكي والبريطاني. وهذا يعني، في “إستراتيجيات المقاومة”؛ أن استطاعة الجمهور المعارِض تفوق قدرات البطش والتضليل المدعومة من أقوى الأنظمة في العالم، وهي استطاعة جديرة بأن تكون محط “دراسة” الذين يكررون، في كلّ وقت، إظهار مهاراتهم في التبرع لأن يكونوا “أحصنة طروادة” لآل خليفة، ولا يجدون مانعا في أن يكونوا “أدوات” يستعملها النظام المكروه للتطبيع مع البيئات الشعبية العامة المحسوبة على ثورة ١٤ فبراير.
في المقابل، من الجدير التذكير أيضا أن الإخفاقات الأمريكية والبريطانية في البحرين؛ تُحفّز مرة أخرى السياسيين المعارضين في البلاد لاقتلاع بقايا التعلُّق بيقظة ضمير الإدارة الأمريكية وحكومة “التاج الاستعماري” في لندن. ومن غرائب الأطوار التي تعتري المعارضة في البحرين هو أنها لم تُبد حتى الآن أية خطوة سياسية “معتبرة” في إظهار هذا الموقف، والتأسيس عليه على مستوى الخطاب السياسي والبرامج السياسية العملية، ما يُعيد القول بأن هناك اختلالا مُهمَلا في بناء المعارضة البحرانية، سبُبه عدم ملاقاة السياسيين بالصمود الشعبي، وتقاعسهم في مواصلة الاعتراض السياسي الواضح في الداخل، وتعويلهم في ذلك على ما يقدّمه عموم الناس في الشوارع والساحات، ومن غير الالتحاق الجدي بهم، ومنه التأسيس عليه وفق قواعد الاعتراض السياسي. ولعل هذا الاختلال، وأسباب أخرى، من بين العوامل التي أعاقت خروج ثورة البحرين بنتائج “سياسية” توازي النجاحات الميدانية، والحقوقية، والإعلامية، وهي ثغرة طالما عبرَ الأمريكيون والبريطانيون منها لتمرير ما يمكن اعتباره “متلازمة القمع” في البحرين.