جعفر معتوق وفوزية ما شاءالله: رموز الانتصار في سجون البحرين
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: كريم العرادي
كاتب من البحرين
بعد أكثر من سبع سنوات من ثورة البحرين، لا أحد يشك بأن هزيمة آل خليفة بلغت أوجها، وإلى حد أن المواجهة المفتوحة مع البحرانيين أضحت موجهة بشكل مكثف – وبعد الاعتقالات الشاملة – إلى السجناء السياسيين، وهم عمليا ليس لهم طاقة أو قدرة على فعل أي شيء، ومن المفترض أن تكون القضبان المحيطة بهم، والقهر الممنهج الذي يمارسه عليهم المرتزقة؛ هو بمثابة السلاسل والقيود الكاملة، التي تجعل المرء غير قادر على القيام بأي شيء يمكن أن يهز عرش الحاكم أو يجعل الجلادين الضباط يُخرجون الروائح الكريهة من مؤخراتهم خوفاً وترقبا من هجوم مضاد! ولكن ما يجري عكس ذلك تماما. فآل خليفة يشنون حروبا مفتوحة على السجناء والسجينات، ويرتكبون بحقهم أنواعا مختلفة من الانتهاكات والجرائم التي تتجاوز كل الأخلاق والقوانين، وكأنهم يخشون بالفعل من أمر ما يتم تحضيره داخل الزنازن. وإذا كان الأمر مفهوما حينما يفعل الخليفيون ذلك مع قيادات الثورة أو مع سجين سياسي على شاكلة الشهيد رضا الغسرة؛ فإنه لا يوجد أي تفسير “منطقي” عندما نرى هذه العذابات التي تنزل على معتقل كفيف، وبحق امرأة لا حول لها ولا قوة وهي على وشك أن تتجاوز سن الخمسين. لا يوجد تفسير لذلك غير أن هزيمة آل خليفة وصلت حدودا بالغة، وتحول معها الشعور بالهزيمة إلى رغبة متوحشة للانتقام من الجميع، ومن غير استثناءات أو اعتبارات.
ولكن، من جهة أخرى، من حق النظام أن يخاف من جعفر معتوق بالفعل. فهذا الكفيف لم يمنعه فقدانه النظر عن أن يُسقِط “النظام” من داخل السجن، وذلك بإصراره على ممارسة “المقاومة” ورفض تنفيذ أوامر المرتزقة. لا يتوقف الأمر عند رفض معتوق للوقوف على قدميه في وقت عدّ المرترقة لعدد السجناء، بل المسألة ترتبط بالكرامة التي تجري في العروق، وإرادة الحياة التي تجعل كفيفا يُبصر النصر الموعود وهو داخل عتمة السجن الإنفرادي. وهذا أكثر ما يخشاه القاتل، لأن ذلك يجعله يستشعر أكثر فأكثر بطعم الهزيمة المر، ويرى بأم عينيه بأن السجون في البحرين لم تعد “مقبرة الأحياء” ومفسدة الشرفاء، وأن نظام التنكيل والإهانة لم يفلح في منْع الجدران من أن تهمس بالمقاومة، ومن أن تتوعد القضبان، في أية لحظة، بولادة من أكثر جسارة من رضا الغسرة وأشجع من عباس السميع.
شعور الهزيمة يصبح أكثر مراراة حينما يتجرعه النظام من النساء المعتقلات، ومن السيدة فوزية ما شاء الله خاصة. فهذه المرأة التي لم تكسرها معاناة السنين الماضية؛ ترفع رأسها عاليا من داخل السجن، فتتحدى المرتزقة الذين يمنعنون عنها العلاج ويعرّضونها كل لحظة لخطر الموت. ترفع صوتها عاليا لتفضح المجرم في كل مرة يحاول فيها إيقاع الإهانة، ولتقول بأن شيبتها وأمراض العمر الكبير لن تمنعها من التمسك بحقها في البقاء عزيزة شريفة، وهي تتمسك بهذا الحق أسوة بالتمسك بحقها في تقرير مصير بلدها وتوطيد علاقتها بالأصوات الحرة التي تهزء من القضبان، انتظارا لفجر الحرية الكبير. لم تسقط السيدة فوزية أو تستسلم للفك المفترس التي يحاصرها داخل الحصار، وهي مثل بقية النساء المعتقلات، تفعل كل ما بوسعها لإشعار الجزّار بأن القوة ليس حصرا بمن يملك مفاتيح السجن أو أدوات القهر والتعذيب. بل القوة الأسمى، والخالدة، هي قوة مواصلة البقاء بكرامة وعزة، في ذات المسافة التي يتمادى الجلاد فيها سقوطا وهزيمة.