جريمة انتقاد الحرب العبثية على اليمن
رأي البحرين اليوم – خاص ..
أعادت الزوبعة المثارة حاليا بشأن تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي وصف فيها الحرب على اليمن بالعبثية, أعادت إلى الواجهة مرة أخرى الحديث عن حرية التعبير في منطقة الخليج وعن جدوى الإصرار على استمرار الحرب العدوانية على اليمن.
التصريحات التي أطلقها قرداحي تندرج أولا ضمن إطار حرية التعبير عن الرأي التي يتميز بها لبنان عن دول المنطقة منذ عقود, وهي تتسق تماما مع وصف الأمم المتحدة للوضع في اليمن بأنه يمر بأسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث, تسببت بها الحرب التي تقودها السعودية عليه والحصار الذي تفرضه على شعبه.
كما أن جميع الوقائع ومجريات الأحداث في اليمن طوال السنوات الست الماضية تثبت بأن هذه الحرب عبثية بامتياز. قادت السعودية تحالفا من عشر دول هي كل من مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر (انسحبت عام 2017) والبحرين، وفتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للائتلاف لاستخدامها في العمليات. وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات, وباعت أسلحة بمئات مليارات الدولارات إلى دول التحالف وخاصة السعودية. ونشرت الولايات المتحدة وبريطانيا أفراد عسكريين في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية بقيادة السعودية في اليمن. كما أسهمت إسرائيل في تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي للتحالف.
مني هذا التحالف بفشل ذريع في تحقيق أهدافه منذ بدء هجماته على اليمن في 25 مارس 2015 تحت ذريعة إعادة الشرعية. شن آلاف الغارات الجوية واستهدف كل حجر ومدر, ضرب المآتم والمستشفيات والمدارس والبيوت والطرق والمصانع ومحطات الكهرباء والوقود, جوع اليمنيين بحصاره حتى باتت البلاد على شفير مجاعة وتفشت فيها الأمراض والأوبئة. بلغت حصيلة الوفيات عشرات آلاف الاشخاص معظمهم من النساء والأطفال.
وبعد أكثر من ست سنوات من الحرب, بان هدفها ألا وهو تقسيم اليمن وتمزيق الشرعية المزعومة! فالجنوب اليمني محرم على مايسمى بشرعية حكومة هادي التي تتخذ من فنادق الرياض مقرا لها, وأما الشمال فبات قاب قوسين من أن يبسط الحوثيون والجيش اليمني سيطرتهم عليه حال تحرير مدينة مأرب من الإرهابيين ومرتزقة آل سعود. إذن هي حرب عبثية بكل المقاييس! أثبتت مدى ضعف آل سعود وهزيمتهم والعار الذي لحق بهم!
يدعون أنهم يحاربون الحوثيين وهم قبيلة لا تشكل أكثر من 5% من سكان اليمن! لكنهم صمدوا بوجه عشرة دول, وهم لا يملكون سوى إيمانهم والدفاع عن أرضهم بأسلحة بدائية! هو نصر للحوثيين يكاد يوصف بالمعجزة مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلال موازين القوى لصالح السعودية عسكريا وماديا وسياسيا!
يأبى آل سعود التسليم بالهزيمة, رغم أنهم وصلوا إلى حالة الصراخ والعويل بعد أن طفح كيل الحوثيين وعيل صبرهم من موقف المجتمع الدولي الذي يشجع على هذه الحرب طمعا بمبيعات الأسلحة! ضربوا المنشآت النفطية والمطارات السعودية فطار صواب آل سعود! أنفقت السعودية أكثر من نصف تريليون دولار على هذه الحرب الإجرامية على بلد عربي مسلم, لو أنفقتها على اليمن لحولته إلى واحد من أفضل دول المنطقة.
ولعل هذا ما يفسر هستيريتهم وردة فعلهم على تصريحات الإنسان قرداحي قبل أن يكون وزيرا. تعكس ردة الفعل حجم القمع الذي يتعرض له المواطنون في السعودية والدول الحليفة لها وخاصة الإمارات والبحرين. فهذه الضجة ضد وزير دولة ذات سيادة, توضح مدى القمع الذي يتعرض له مواطنو تلك الدول الذين تحبس عليهم أنفاسهم. في السعودية لا يزال المدون رائف بدوي وشقيقته سمر بدوي رهن الاعتقال منذ سنوات لأنهم طالبوا بحقوق الشعب الأساسية. وفي البحرين لبث الحقوقي نبيل رجب خمس سنوات في السجن لأنه انتقد الحرب العبثية على اليمن. وفي الإمارات يقبع الحقوقي أحمد منصور في السجن منذ سنوات.
إلا أن ما يثير الاستغراب هو وقوف الكثير من اللبنانيين ضد قرداحي وهم الذين يتبجحون بحرية الرأي والتعبير! وكأنهم يريدون هذه الحرب الإجرامية التي لم تخلف سوى القتل والدمار في شعب من أنبل شعوب المنطقة. يبدو أن الضمير الإنساني قد مات عند بعض العرب والمسلمين الذين يفترض أن يدفعهم دينهم وقوميتهم إلى إطلاق حملة تضامنية مع قرداحي تحت شعار أوقفوا الحرب العبثية على اليمن, بدلا من التفرج على الموت والدمار أوتأييده من حيث لايشعرون! فمن يعترض على قرداحي اليوم هو راض بجرائم آل سعود في اليمن وبذلك هو شريك لهم في جرائمهم!