ساهر عريبيمقالات
جدوى مجلس حقوق الإنسان
البحرين اليوم – (خاص)
انطلقت يوم الإثنين، 29 فبراير الماضي، أعمال الدورة الـ 31 لمجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، التي ستتواصل أعمالها في قصر الأمم المتحدة في جنيف وحتى 24 من شهر مارس.
تحظى هذه الدورة بأهمية خاصة، حيث تنعقد بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس المجلس، وهو ما يفسر مشاركة الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في الجلسة الإفتتاحية لهذه الدورة، بالإضافة إلى عدد كبير من وزراء خارجية دول العالم، وفي طليعتهم وزير الخارجية الروسية سيرجي لافاروف.
وبعد مرور عقد على تأسيسه، يطرح مراقبون العديد من التساؤلات حول مدى فاعلية هذا المجلس وجدواه في تحقيق الأهداف التي أُسّس من أجلها، والتي تتمحور حول تحسين أوضاع حقوق الإنسان في العالم.
وقبل الخوض في الإجابة على هذا التساؤل، لابد من المرور بشكل سريع على طبيعة وتاريخ وظروف نشأته.
مجلس حقوق الإنسان هو هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة، تأسس المجلس في مارس من العام 2006 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى أنقاض لجنة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان.
يتولى المجلس مهمة “تعزيز الإحترام العالمي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، دون تمييز من أي نوع و بطريقه عادلة و متساوية”، كما ورد في بيان تأسيسه، ويتناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، ويقدّم التوصيات بشأنها. ولديه سلطة مناقشة جميع قضايا حقوق الإنسان طوال العام، ويعقد ثلاث اجتماعات دورية كل عام في شهر مارس ويونيو وسبتمبر في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.
ويستخدم المجلس جملة من الآليات والإجراءات لتحقيق الأهداف التي أنشيء لأجلها، وتأتي في طليعة تلك الآليات، الإستعراض الدوري الشامل، وتُستخدم هذه الآلية لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة.
وهناك اللجنة الإستشارية، وهي بمثابة “الهيئة الفكرية” للمجلس، والتي تزوده بالخبرات والمشورات بشأن مختلف المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان، و تتألف من 18 عضوا من الدول الأعضاء، وتمتد ولايتهم بين سنة وثلاث سنوات.
ولدى المجلس أيضا آلية الشكاوى التي تيح للأفراد والمنظمات لفت أنظار المجلس إلى انتهاكات حقوق الإنسان.
ويعمل المجلس أيضا مع آلية الإجراءات الخاصة التي أنشأتها اللجنة السابقة لحقوق الإنسان، ويتولى أمرها المجلس، وتتألف هذه الإجراءات الخاصة من مقررين وممثلين وخبراء يتولون رصد قضايا موضعية وأوضاع حقوق الإنسان في بلدان معينة، حيث يتم بحثها وتقديم المشورة بخصوصها والإبلاغ عنها.
ويساعد المجلس مكتب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، والذي يتولى مسؤوليته اليوم الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين.
يبلغ عدد الدول الأعضاء في المجلس 47 دولة، يتم انتخابها عبر التصويت في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وتبلغ مدة ولاية كل دولة 3 سنوات يمكن تمديدها مرة واحدة فقط.
ويلاحظ بعد هذا الإستعراض أن المجلس يتولى مسؤولية إصدار التوصيات التي تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان في العالم، لكنه لا يمتلك السلطة لإصدار قرارات ملزمة بحق الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
إلا أنه يمكنه اعتماد قرارات وتوصيات يتم نقلها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي حالات خاصة قد يقرر مجلس الأمن الدولي التصدي للإنتهاكات التي تمت مناقشتها في المجلس، ويدرجها على جدول أعماله.
وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات في هذا الشأن، كان أبرزها القرار الذي أصدره بحق السودان على خليفة انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور.
يعقد المجلس ثلاث اجتماعات دورية كل عام، وكما سبق القول، وتجرى حوارات تفاعلية في هذه الإجتماعات التي يشارك فيها ممثلون عن المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني التي تسلّط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، وعادة ما تصدر الدول الأعضاء في المجلس بيانات إدانة بحق بعض الدول، وكما حصل خلال الدورة السابقة في شهر سبتمبر الماضي عندما تلت سويسرا في الجلسة الإفتتاحية بيانا بالنيابة عن 34 دولة، دانت فيه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين.
ويتناول العديد من ممثلي الدول حالات خاصة لإنتهاكات حقوق الإنسان في العالم، وعادة ما يوجه ممثلو عدد من الدول الغربية انتقادات للعديد من الدول على خلفية سجلها الحقوقي السيء، وعادة ما تتم إثارة مواضيع حرية التعبير وحقوق العمال المهاجرين والإعدامات التعسفية وحقوق المرأة عندما يتعلق الأمر بدول الخليج، وخاصة السعودية والبحرين والإمارات.
وبالتوازي مع الحوارات التفاعلية التي تجري في المجلس؛ فإن العديد من الندوات الجانبية تعقد على هامش تلك الإجتماعات لتسليط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في بلدان معينة.
إلا أنه وبرغم كل تلك المهام التي يقوم بها المجلس؛ فإن العديد من المراقبين يعتقدون بأن أوضاع حقوق الإنسان في العالم تدهورت بشكل كبير، مقارنة بما كانت عليه قبل تأسيس المجلس. وهو الواقع الذي يثير العديد من علامات الإستفهام حول مدى فاعلية هذا المجلس وجدواه.
ولاتخلوا هذه التساؤلات من المصداقية بعد ان وصلت إنتهاكات حقوق الإنسان مستويات غير مسبوقة في مختلف انحاء العالم, فهناك المجازر التي ترتكب بحق المسلمين في بورما, والأعمال الوحشية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الوسط, فضلا عن سياسات الحكومات القمعية والقائمة على مصادرة حريات التعبير السلمي والتجمع وتشكيل الجمعيات,وتصاعد وتيرة الإعدامات وإضطهاد الأقليات في العديد من دول العالم وخاصة في منطقة الشرق الوسط.
ولعل أحد اسباب هذا التدهور تعود إلى قصور المجلس الذي لا يمتلك السلطات اللازمة لمحاسبة الحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. إذ يقتصر دوره على إدانة تلك الدول وعلى توجيه دعوات لها لوقف الإنتهاكات وإصدار توصيات بحقها، وكما حصل مع البحرين في العام 2012 عندما أصدر المجلس 176 توصية بشأنها.
وحتى على هذا المستوى، فإن العديد من الدول الأعضاء في المجلس تحاول إحباط صدور مثل ردود الأفعال هذه غير الملزمة، وتلعب عدد من الدول الأعضاء في المجلس دورا كبيرا في إجهاض أي محاولة لإدانة بعض الدول ورفع ملفها إلى هيئة الأمم المتحدة. وتتداخل هنا التحالفات والمصالح التجارية والعسكرية وعادة ما تصبح حقوق الإنسان ضحية لتلك المصالح.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك اتهامات توجّه إلى منظومة هذا المجلس في الخضوع لإملاءات بعض الدول وحلفائها، وفي طليعة تلك الدول السعودية التي تعتبر واحدة من أسوا دول العالم على صعيد ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وفقا لتقارير العديد من المنظمات الحقوقية الدولية ومنها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
وتتمحور هذه الإنتهاكات حول الإعدامات الجماعية للمعارضين، وسلب حقوق المرأة وقمع الأقليات، واضطهاد العمال المهاجرين، واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان، والترويج للخطاب التكفيري.
إلا أنه وبالرغم من كل هذا السجل الحقوقي السيء؛ فإن المجلس إنتخب السعودية لرئاسة لجنة الخبراء، وهي بمثابة الهيئة الفكرية للمجلس الذي تمده بالخبرات والمشورة اللازمة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في العالم.
أثار هذا الإنتخاب موجة من الغضب في صفوف المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرته مؤشرا على مدى ضعف هذا المجلس وفاعليته. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التعاطي مع أوضاع حقوق الإنسان يخضع إلى حالة من الإنتقائية، ووفقا لأهداف سياسية، وهو ما حذّرت منه وزيرة خارجية فنزويلا لدى إلقائها لكلمة خلال افتتاح الدورة الحالية للمجلس، والتي طالبت فيها بعدم إتباع هذا النهج والتعاطي مع موضوعة حقوق الإنسان كقيمة عليا، وبصرف النظر عن العلاقات التي تربط هذه الدولة بتلك.
إن هذه الإنتقائية في إثارة مواضيع حقوق الإنسان وفقدان المجلس للسلطات اللازمة لمحاسبة الحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، وتصدّي الدول القمعية لمسؤولية بعض هيئاته؛ تمثل أبرز عوامل ضعف هذا المجلس وفشله في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في العالم.
إلا أنه وبالرغم من كل ذلك، فيمكن القول إن المجلس تحول خلال السنوات العشر الماضية إلى منبر لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الدول، مثل البحرين والسعودية، وأصبح متنفّسا للمنظمات الحقوقية ولضحايا حقوق الإنسان لطرح معاناتهم ومعاناة شعوبهم أمام أنظار المجلس والعالم، وأضحى المجلس منبرا لإحراج الحكومات القمعية التي توظّف الملايين من الدولارات لتلميع صورتها القمعية التي بدأت بالظهور على حقيقتها في جلسات المجلس، وهو ما دفع تلك الحكومات إلى الإستنفار مع بدء كل دورة للمجلس، لإطلاق حملة علاقات عامة تهدف لتنزيه أنفسها من ارتكاب البشاعات بحق شعوبها.
إن هذا الواقع يثبت بأن هذا المجلس تحول إلى ساحة جديدة من الصراع بين الشعوب التواقة للحرية والأنظمة القمعية وداعميها من مدّعي الدفاع عن القيم الديمقراطية وعن حقوق البشر، وهو الواقع الذي يحمّل المنظمات الحقوقية وضحايا حقوق الإنسان مسؤولية كبيرة لتكثيف جهودهم وتعزيز علاقاتهم بالمجلس وممارسة ضغوط بإتجاه تحويل المجلس الى مؤسسة أكثر فاعلية وقدرة على تحسين أوضاع حقوق الإنسان.