ثورة البحرين.. بين خياري الإستسلام والصمود
البحرين اليوم – (خاص)
ساهر عريبي
إعلامي مقيم في بريطانيا
دخل الحراك الشعبي المطالب بالتغيير في البحرين عامه الثامن على التوالي، دون أن تلوح أي بوادر في الأفق تشير إلى قرب إيجاد حل للأزمة التي تعصف بالبلاد طوال السنوات الماضية، والتي كانت لها انعكاسات أمنية واقتصادية وإجتماعية يصعب حصرها.
وأما السب الذي يقف وراء دوام هذه الأزمة بل وتفاقمها في السنتين الأخيرتين؛ فيعود إلى رفض النظام لمطالب الشعب البحراني التي أعلن عنها يوم الرابع عشر من فبراير عام ٢٠١١ والتي تراوح سقفها بين المناداة بإسقاط النظام وبين إصلاحه. ففيما رددت جموع المتظاهرين الغاضبة شعار إسقاط النظام، ترديدا لصدى الشعار الذي تردد حينها في عواصم عربية مختلفه خلال اندلاع ما سمّي بالربيع العربي؛ لم يرتفع سقف المطالب التي رفعتها الجمعيات السياسية المعارضة والتي كانت ممثلة في البرلمان؛ إلا ؤلى المطالبة بإصلاح النظام.
ترى الجمعيات السياسية إن النظام قابل للإصلاح عبر إجراء انتخابات حرة وديمقراطية وفق مبدأ صوت واحد لكل مواطن، وينتج عنها مجلس نواب تنبثق منه حكومة تضع حدا لهيمنة عائلة آل خليفة على مقاليد الحكم في البلاد، التي يحكمها رئيس وزراء أوحد منذ استقلالها في العام ١٩٧١، ويهيمن على المناصب السيادية فيها أفراد من عائلة آل خليفة، فيما يتمتع الحاكم في البحرين بسلطات واسعة لا حد لها تتجاوز جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
لكن السلطات الحاكمة أعارت المتظاهرين – الذين يمثلون غالبية الشعب البحراني – آذانا صمّاء ورفضت التنازل لأبسط مطالباتهم مفضّلة اللجوء إلى الخيار الأمني لقمع المعارضين، بالرغم من التداعيات الخطيره لهذا الخيار والتي وصلت إلى حد انتهاك سيادة البلاد عبر الإستعانة بقوات خارجية للمشاركة في قمع الحراك الشعبي، وقد تمثل ذلك بدعوة قوات عسكرية سعودية وإماراتية دخلت إلى البلاد منذ سبع سنوات.
لكن تلك القوات الخارجية التي يضاف لها قوات من الدرك الأردني؛ لم تهديء من روع السلطات التي عاشت طيلة شهر هاجس السقوط. فما كان منها إلا السماح بإنشاء أول قاعدة عسكرية بريطانية في منطقة الشرق الأوسط وبتمويل حكومي. هذا التواجد العسكري الخارجي يضاف له كون البحرين مقرا لقيادة السطول الأمريكي السادس؛ أضعف القرار السيادي في البحرين الذي أصبح مرتهنا بيد تلك القوى الخارجية.
ومما زاد الطين بلّة أن رهان السلطات على الخيار الأمني أنهك الموازنة طوال الأعوام الماضية التي تفاقم فيها العجز في الموازنة مع انخفاض أسعار النفط، حتى أصبح قرار حل الأزمة رهنا بالرياض التي باتت البحرين تعتمد على حصتها التي تدفعها لها السعودية من حقل بوسعفة النفطي المشترك. ومع تورّط السعودية في العديد من الملفات الشائكة سواء في العراق أو سوريا او اليمن ولبنان؛ فإنها باتت تتعاطى مع جميع هذه الملفات ضمن سلّة واحدة، فهي تحاول تعويض خسارتها في أي منطقة من مناطق الصراع عبر زيادة الضغط وعدم تقديم تنازلات في دولة اخرى، وكما هو حاصل في البحرين.
ولعل هذا الواقع يثبت عقم جميع مبادرات الحوار التي تطرح لحل الأزمة في البحرين بين الحين والآخر، بسبب الخطوط الحمراء التي وضعتها السعودية وحلفاؤها الغربيين أمام النظام لحل الأزمة والتي لا يمكن للنظام تجاوزها، بغير رفع المعارضة للراية البيضاء وإعلان فشل الثورة والتخلي عن كافة المطالب التي ترتكز على إحداث تغيير ديمقراطي في البلاد، والرضا بسياسات النظام القائمة على التمييز بين المواطنين وتهميش الغالبية البحرانية وتقديم فروض الطاعة والولاء للعائلة.
وفي ظل أجواء القمع غير المسبوق التي تمر بها البلاد والتداعيات الإقتصادية والإجتماعية الخطيرة على البحرانيين جرّاء استمرار الأزمة؛ يسعى البعض في البحرين ولأسباب إنسانية إلى تبني خيار رفع الراية البيضاء بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن بات هدف تغيير النظام أو إسقاطه متعذّر حاليا في ظل الأوضاع المعقدة التي تمر بها المنطقة.
لكن هذا الخيار يثير حفيظة شريحة واسعة من البحرانيين الذين يرون أن الشعب قدّم تضحيات جسام طوال السنوات الماضية من شهداء ومعتقلين ومهاجرين ومهجّرين، ولذا فلا يمكن نسيان كل هذه التضحيات ببساطة، بل لابد من الصبر والصمود لحين تحقيق الأهداف التي انطلقت لأجلها الثورة.
ومما يعزز قناعة هذه الشريحة في المضي قدما بخيار الثورة؛ هو أن السعودية التي باتت تمسك بملف البحرين تشهد تراجعا وهزائم في مختلف ساحات الصراع في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، فيما انغمست في الوحل اليمني وباتت غير قادرة على الخروج منه مع حفظ ماء وجهها.
ويبدو أن هذا الإنحدار السعودي سيصل نقطة حرجة ستعلن عندها السعودية إنكفاءها على نفسها وترتيب بيتها الداخلي الذين يعاني من تصدعات كثيرة وخاصة داخل عائلة آل سعود الحاكمة بسبب سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، وحينها سترفع السعودية يدها عن الملف البحراني.
وأما الدول الكبرى الداعمة للنظام مثل بريطانيا والولايات المتحدة؛ فقد بات النظام الحاكم في البحرين يشكل عبء عليها مع تصاعد الأصوات المنتقدة لدعمه برغم ممارساته القمعية ورفضه التحول الديمقراطي، وقد ظهر ذلك جليا في بريطانيا التي تواجه فيها حكومة المحافظين برئاسة تيريزا مي؛ انتقادات شديده من أحزاب المعارضة في البرلمان.
ولذلك، لا يستبعد أن تتخلى بريطانيا عن دعمها المطلق للنظام وخاصة في ظل حالة عدم الإستقرار السياسي التي تمر بها المملكة المتحدة والتحديات التي تواجهها رئيسة الوزراء وحزب المحافظين، مع تصاعد التوقعات بإجراء انتخابات مبكرة تبدو حظوظ حزب العمال برئاسة جيريمي كوربن كبيرة للفوز بها.