تيريزا مي تحمي مشايخ الخليج وفقا لشروط دونالد ترامب!
خطفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا مي الأضواء خلال مشاركتها في أعمال القمة 37 لدول مجلس التعاون الخليجي، التي اختتمت اعمالها يوم الأربعاء في عاصمة البحرين المنامة. تيريزا مي هي أول امرأة ورئيسة وزراء بريطانية تشارك في قمة خليجية منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل 35 عاما هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الخطاب الذي ألقته في القمة رسمت فيه ملامح مرحلة جديدة من العلاقات بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون.
وتنبع اهمية هذه المشاركة البريطانية عند النظر الى التحولات الكبيرة الجارية في الإقليم وفي العالم والتي ستحدد مستقبل مشايخ الخليج. فعلى الصعيد الإقليمي؛ فشلت هذه الدول فشلا ذريعا في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، بالرغم من تحويلها بلدان الخليج إلى مرتع للقواعد العسكرية الأجنبية وبالرغم من إنفاقها لمئات المليارات من الدولارات، بدءا من تمويلها للحرب العراقية الإيرانية وانتهاءا بالحرب التي تشنها على اليمن منذ قرابة العامين.
هذا الفشل انعكس على بيان القمة الذي لم يكن سوى إجترار لما سبقه من بيانات كانت تتمحور حول التحذير من الخطر الإيراني المزعوم. فبعد هذه العقود من السياسات المعادية لإيران كان على دول الخليج أن ترفع الراية البيضاء وأن تسلم بهزيمتها وتفتح صفحة جديدة من العلاقات مع أكبر دولة في المنطقة، بدلا من أن تواصل السير في هذا النفق المظلم الذي لا يرى بصيصا من النور في آخره.
هذه الدول فشلت في إلحاق هزيمة بايران في واحدة من أفقر دول المنطقة وهي اليمن، إذ لازالت “قبيلة الحوثيين” كما تسميها السعودية, صامدة ومنذ قرابة العامين أمام جيوش من عشرة دول تقودها السعودية، ألقت من الحمم ما لم تشهده حرب منذ الحرب العالمية الثانية. وهذه الدول فشلت في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، ومنيت بهزيمة منكرة في العراق مع اقتراب القوات العراقية الباسلة من تطهير كامل التراب العراقي من دنس تنظيم داعش الإرهابي الذي أمدته دول الخليج بالمال والسلاح وبالإرهابيين وسخّرت إعلامها للترويج لفكره التكفيري.
ثلاث دول عربية ألحقت بها مشايخ الخليج دمارا لا حدود له، فيما قمعت تلك المشايخ ثورة شعب البحرين الذي خرج مطالبا بحقه بالعيش فوق أرضه بكرامة. وبالمقابل فإن إيران قطعت أشواطا طويلة سواء على صعيد القوة العسكرية أو الصعيد العلمي والصناعي أو حتى على الصعيد السياسي، بعد أن أضحت تتحكم في العديد من مفاتيح المنطقة معتمدة على قواها الذاتية.
هذه السياسات التدميرية أثارت غضب شعوب المنطقة التي تنتظر الساعة التي تنتقم فيها من حكام الخليج الذين أضحوا محاصرين من الجهات الأربع. وحتى مصر الكنانة لم تعد تقيم لهم وزنا ولا ترضى أن تصبح ذيلا لمشايخ لا يفرقون بين الناقة والجمل. دول الخليج التي كانت تحل أزماتها مع الدول عبر استخدام سلاح البترودولار؛ لم يعد هذا السلاح مجديا اليوم مع انخفاض أسعار النفط ومع المتاعب الإقتصادية التي نجمت عنه، ولذا فلم يعد أمام هذه الدول من سبيل سوى اللجوء الكامل إلى الحماية الخارجية.
هذه الحماية متحققة اليوم عبر الأسطول الخامس الأمريكي الذي يتخذ من البحرين مقرا له، وعبر قاعدة السيلاوية في قطر، والقواعد العسكرية في الكويت، والتواجد العسكري المكثف في مياه الخليج وفي الدول الأخرى، فضلا عن القاعدة العسكرية البريطانية الحديثة الإنشاء في الخليج. فعن أي حماية يبحث مشايخ الخليج؟
يمكن تفهّم هذه الحاجة عند النظر إلى التحولات الدولية وفي مقدمتها دخول روسيا كلاعب كبير في منطقة الشرق الأوسط عبر تحالفها مع سوريا وإيران، ولا تبدو القوة العظمى الأخرى، وهي الصين، ببعيدة عن هذا التحالف. هذا التحالف أعاد شبح الدب السوفيتي ليؤرق منام الخليجيين وهم الذين أنفقوا المليارت لأجل إسقاطه عبر تمويلهم للجماعات المتطرفة في أفغانستان وفي مقدمتها تنظيم القاعدة.
وجاء إقرار قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” جاستا” ليعمّق من قلق دول الخليج على مستقبلها بعد أن أضحى الأخ الأكبر، السعودية، متهما بدعم الإرهاب من قبل الحليف الأستراتيجي الأكبر وهي أمريكا. وأما الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فقد طيّر النوم من عيون الخليجيين بتصريحاته التي وصف فيها السعودية بالبقرة الحلوب التي حان ذبحها بعد أن جف حليبها. لكل ذلك كان لا بد لدول الخليج من الحصول على حماية موثوقة لن تحصل عليها إلا من بريطانيا.
وأما عراب ذلك فهو حاكم البحرين حمد الخليفة المعروف بعلاقاته الوثيقة بالمملكة المتحدة، والتي هي استمرار لتحالف عائلته الوثيق مع بريطانيا والذي يبلغ عمره قرنين من الزمن. فبريطانيا وفّرت الدعم السياسي والعسكري لهذه الدول طوال العقود الماضية، ولم توجه انتقادات لها على صعيد انتهاكاتها لحقوق الإنسان،, وعلى العكس من أمريكا التي وجّهت انتقادات لاذعة لهذه الدول في مناسبات عدة.
وهكذا بدت بريطانيا حليفا يمكن لدول الخليج الإعتماد عليه, بدلا من الحليف الأمريكي الذي كشّر عن أنيابه اليوم. بريطانيا من جانبها رضيت بهذه الدعوة لكنها قبلتها وفقا للشروط التي وضعها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب!
وقد بدت تلك الشروط واضحة في الكلمة التي ألقتها تيريزا مي على مسامع مشايخ الخليج خلال القمة، وهي الكلمة التي لامست مشاعرهم وأحاسيسهم بالرغم من أنها لم تهديء من روعهم.
فتيريزا مي التي تنوء اليوم بأعباء خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي؛ قالت وبكل وضوح إنها تبحث عن أسواق بديلة للسوق الأوروبي، وهي تتطلع نحو تعزيز الإستثمار البريطاني في منطقة الخليج، وقرنت ذلك بتوفير حمايتها لدول الخليج مقابل ما سمته بالتهديدات الإيرانية. هذه الشروط هي ترجمة لشروط ترامب لدعم دول الخليج، ألا وهي النفط مقابل الحماية.
مشايخ الخليج التي لم تعتمد يوما على قوى شعوبها الذاتية ولم تسخر الثروات النفطية لبناء دول ذات قاعدة علمية وصناعية رصينه؛ لا يبدو أمامها من خيار اليوم سوى الإرتماء في أحضان تيريزا وطلب الحماية من “حرمة” يحرّم آل سعود على أمثالها سياقة السيارة! ولكن للضرورة أحكامها وإن اقتضت اللوذ بامرأة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها في بلادها!