تقرير: الشهيد الشيخ النمر.. جرأة التاريخ والتضحية الوظيفية

البحرين اليوم – (خاص)

شكّل الشيخ الشهيد نمر النمر ظاهرة من النادر أن تتكرّر في عموم المنطقة الشرقية، والخليج عموماً. (شاهد: هنا)

كان إعدام الشّيخ النمر “جريمة” كاملة الأوصاف، ولكن آل سعود كانوا يعتقدون بأنّ الإعدام كان “ضرورياً” بالنسبة لهم لإنهاء الظاهرة “التي تمرّدت على كل القيود والإكراهات” التي زُرعت عبر عقود من القمع والإرهاب الممنهج.

في خطاباته، ظهر الشّيخ النمر باعتباره داعية “حقوق” بامتياز. من اللافت أنّ العمامة التي تنتمي إلى مدرسة “الرساليين” تجاوزت العديدَ من الإرث القديم لهذه المدرسة، واستطاع أن يظهر بلغة وطنيّة، وبمطالب تتجاوز الحدود المذهبيّة، وأكّد على حقوق “المواطنة” باعتبارها “قيماً” ثابتة، لا يمكن الشعور بالأمن والاستقرار بدونها.

الخطاب الحقوقي الذي كرّسه الشيخ الشهيد امتاز بملامح تُشبه تلك التي أسّسها الحقوقي البحراني عبد الهادي الخواجة، وخاصة في السنوات الأخيرة قبل اعتقال الأخير، حيث لم تلتزم “المطالبة الحقوقية” بالمعايير “الورديّة” التي عُرف بها عموم النشطاء الحقوقيين. سيكون من المفيد الإشارة إلى التكوين “الأيديولوجي” المشترك لكلّ من الشيخ النمر والخواجة، المحكوم بالمؤبد، وهو التكوين الذي استطاع الرجلان التعاطي “النقدي” معه، ولكن عبر الممارسة، أكثر من النقد النظري أو المساجلة الكلامية الداخلية.

أبرز هذه الملامح يمكن تسجيلها في العناوين التالية:

–          قيمة المواطن تعلو على أيّ عنوان آخر، بما في ذلك العنوان الأصلي (الديني أو المذهبي) أو العنوان العارض (المستوى المهني، أو الرتبة الوظيفية)

–          الجرأة، أو الوضوح، في تسمية الخطأ، وتوصيفه، وتشخيص القائمين عليه.

–          ابتكار اللغة الواضحة “الصادِمة”، الممزوجة بالحماس الذي يستقطب الجمهور والأتباع.

–          الخروج من الإزدواجية وعدم التبعيض أو التجزئة في الخطاب الحقوقي، وباتجاه “أممي” في حدود معينة.

–          التعويل على النفس “الاستشهادي” أو “التضحوي”، والاعتقاد بأنّ هذا الخيار يمكن أن يخلق وعياً مفتوحاً، أكثر جدوى وفاعلية من النفس المهادِن الذي يُراعي “اعتبار المقامات” أو الخصوصيات المصطنعة.

جسّد الشيخ النمر هذه الملامح في الخطب التي ظهر بها، وخاصة منذ العام2011م.

كان حريصاً على أن يكون دفاعه الحقوقي شاملاً للسنة والشيعة، وفي الوقت الذي وجّه الأنظار إلى سياسة التمييز المذهبي ضد شيعة القطيف، إلا أنه لم يتلبس بالمذهبية السلبية، وعلى النحو الذي يظهر في الضفة الأخرى من الخطاب الديني (الوهابي) الرسمي.

لم يكن يرى الظلم السعودي والخليفي، بمعزل عن بقية أيّ ظلم آخر، ولهذا كان خطابه لافتاً حينما وضع “آل خليفة وآل سعود وآل الأسد” في دائرة واحدة من الاتهام.

أسقط الشيخ النمر الاعتبار المصطنع لآل سعود. قال بأنه لم يشعر بالأمان، منذ ولادته، في ظلّ حكمهم. وكان كلامه “الجريء” بحقّ نايف بن عبد العزيز؛ إشعاراً بالوجهة الخطابية التي رأى الشيخ الشهيد بأنه ما عاد الوقت يحتمل تأجيل البوح بها. وعلى ذات المسافة، كان خطابه الجريء في الإفصاح عن النظرة لآل خليفة، وعلى وقْع ثورة 14 فبراير، التي أضحى الشهيد واحداً من رموزها، ومنظّريها، حيث أسّس للاعتبارات السياسيّة والتاريخية لشعار “يسقط حمد”، وأعطى لمطلب رحيل العائلة الخليفية بُعداً وظيفياً باعتبار أن “صلاحيتهم قد انتهت”، فيما كان صوته العلني الرافض لقوات درع الجزيرة واحتلالها البحرين؛ أحد أبرز العلامات الي تميّز بها خطابه السياسيّ.

ولأهمية هذا الطرح، كان من المتوقع أن يكون ما جاء فيه أحد أهم “الاتهامات” التي وُجّهت للشيخ الشهيد وكانت سبباً لشعور آل سعود وآل خليفة بخطورة هذا الرجل، و”َضرورة” التخلص منه.

صوته الهادر كان إحالة على الرفض الكبير الذي يضجّ بداخله ضدّ كلّ أشكال الظلم، وبوجهاته المختلفة.

لم يكن يحتمل الشيخ الشهيد الانتظار في “التغطية” أو “التخفيف” في إظهار هذا الرفض. وباجتهاده الحاذق، رأى الشيخ بأنّ اللحظة باتت مؤاتية للإفصاح الكامل عن كلّ الرفض التاريخي والثقافي والوجودي لمؤسسة الطغيان السعودي والخليفي، وباللغة الهادِرة، التي تعرّي وجه الطغاة، والكشف عنهم، كما هم، بأسمائهم وبجرائمهم، وكما هي.