تعليق لغويّ على “نصّ الجلاّد”
البحرين اليوم – (خاص)
في علمّ النّص وتحليل الخطاب، فإنّ الوسيلة الفضلى لفضْح المعنى وتعرية المخبوء، هو الوقوف عند الجُمل والصّياغات التي تعمّ في النّص وتعوم فيه.
بعد ساعاتٍ من تحقيق “النيابة العامة” الخليفيّة معه، نشر الجلاّد عادل فليفل بياناً، ليس من المهمّ الوقوف على محتواه، أو تقصّي المعاني الواردة فيه. فهذا بالنسبةِ لكثيرٍ من المعنيين بالشأن المحلّي؛ ليس له فائدة كبيرة.
ولكن من المفيدِ الوقوف عند بناءِ اللّغة لدى “الجلاّد” الذي يُقدِّم نفسه باعتباره “منقذ الأمة وأسدها”.
خطيب “الأمة”، والدّاعي لإحياء شرع الله، كتاباً وسنّة، لا يُجيدُ استخدام “الهمزة”. هذا الدّرس اللّغوي هو العتبة الأولى لأيّ “رجل” يتقدّم على عتبةِ الخطابةِ والكتابة ل”الأمة”.
ومنْ يفشل في كتابة “الهمزة”، ولا يعرفُ حدود “القطْع” و”الوصْل” في كتابتها؛ فإنه لا يجدر بعاقلٍ أن يصطفّ خلفه باعتباره “العرين” الذي تحتمي فيه الأسود!
نصّ الجلاّد لا يفقه شيئاً من علامات التّرقيم. متّى يقف وقفةً خاتمةً ويُنهي الجملة، ومتى يتوقّف وقفةً يسيرة، ويضع فاصلة، أو يتوقّف وقفةً رابطةً؛ فيضعُ فاصلةً منقوطة.
“نصّ الجلاّد” يُشبه النّصوصَ التي تخرجُ عادةً من أروقةِ المخابرات، بسرعةٍ، لكي تُرمى في وجوه البسطاء، ليتولّوا نشرها والدّعاية عليها.
“نصّ الجلاّد” يتشابه مع نصوصٍ كثيرةٍ كانت تُوزّع – من غير توقيع – في فترات الفتن وإشعال الخلافِ، وتُرمى عند أبواب المساجد وعلى زجاجات السّيارات. كانت تلك النّصوص تعجُّ بروائح الغُرف المخابراتيّة التي تُكتب فيها.
ليس متوقّعاً من جلاّد قاتل أن يُجيد كتابة نصٍّ حَسن. وليس متوقّعاً من جلاّدٍ يفخرُ بأفعالهِ السّوداء أن يكتبَ خطاباً أبيض.
الجُمل المفكَّكة الخالية من أدوات الرّبط، تفضحُ جهلاً في اللّغة. وجاهلُ اللّغةِ غير جديرٍ بأن يتحدّثَ عن حاكميّة القرآن.
وحين تُصابُ اللّغة بالانهيار، والتفكّك، وداء الاهتراء؛ فإنّ المعنى – يصْعبُ – أن يكون على ما يُرام.
بسببِ ذلك، فإنّ الجلاّد يتحدّث عن “صناديق الانتخابات” باعتبارها “الصّنم الأكبر للديمقراطيّة”. وأنّ هذه الصّناديق “تحاول ستر الطبيعة الوحشيّة للرّأسماليين وأصحاب الثروات الضّخمة”. وهي أفكارٌ لا تُشبه شيئاً أكثر من شبهها بصورةِ جلاّدٍ معتّق، خبرتُه الباراتُ والمراقص، يرتدي لحية سلفيٍّ، ويخطب باسم “أهل السّنة والجماعة”. هذه الصّورةُ المليئة بالأنفاق، والنّفوق، والمبتلية بالنّفاق والشّقاق؛ لا يمكن أن يصدر عنها غير هذا “النّص” الذي يُختم ببيت خاطئ لابن القيم، وهذا تصحيحه:
ولأنصحن الله ثم رسوله … وكتابه وشرائع الإيمان
إن شاء ربي ذا يكون بحوله … إن لم يشأ فالأمر للرحمن
* “نصّ الجلاّد”