بين رمضان ٢٠١٠ ورمضان ٢٠١٦: تطبيق شروح تقرير "البندر"
نادر المتروك
صحافي من البحرين
كلّما تذكّرَ، فجأةً، أحدُ هواةِ “السّدح والزّار” مقولةَ “المشروع الإصلاحيّ”؛ كلّما كان ذلك إشعاراً مبكّراً بأن سلسلةً إضافيّةً من القمعِ والإجرامِ آتيةٌ في الطّريق.
السّعوديّة، حتّى الآن، تجدُ تسْلِيتها الفضلى في التّعاملِ مع حكّامِ البحرين بوصفهم “فئرانَ تجارب” لاختبارِ وسائلها في المروقِ والابتزاز وانتزاعِ الإذعان الدّولي لها. الحاكمُ بأمر الرّياض، محمد بن سلمان، حلّ في واشنطن التي تبدو منعزلةً في حملاتها الانتخابيّة، حيث المزايدات على أوْجها حول الشّرق الأوسط ومرحلة ما بعد أوباما والاتفاق النّووي مع إيران. زيارةُ ابن سلمان غير منفصلةٍ عن ترتيباتِ “الأمير” المتسارعة للاستواءِ على العرش، ولكنّها تمثّلُ أيضاً محاولةً لإعادة تموْضع لـ”المملكة الآيلة للسقوط” – بحسب عنوانِ تقريرٍ بحثيّ صدرَ في مارس ٢٠١٤م – لاسيما مع تقوّض النظرة إلى السّعوديّة، وتوسّع بقعةِ السّواد حول أدوارها، وعلى النّحو الذي كثّفته المواجهة الأخيرة بينها وبين الأمم المتّحدة بشأن إدراج على القائمة السّوداء لقتلِ الأطفال (في اليمن). هي محاولةٌ لا يمكن للرّياض القيام بها دون واشنطن، فالأخيرةُ تظل هي المهوى والمأوى، وستظلّ السّعوديّةُ منقادةً لها على طريقة الإتّباع الطّوعي تارةً، والاضطراري تارةً أخرى. تتصرّف السعوديّة بانتفاخٍ واندفاعٍ تحت مرأى الولايات المتّحدة، وغير بعيدةٍ عن طوْعها. ولها بعد ذلك أن تعبّر ـ عبر إعلامها وكتبتها ـ عن “الضّيق” و”القلق” و”الخشية” من تبدُّل مواقفِ الحليف الإستراتيجيّ، وأنْ تُحرّك صواريخَها وفتنها وأموالَها المسيّسة في كلّ اتجاه؛ إرضاءاً لدعايةِ “السّيادة” و”القرار الحرّ المستقل” و”زعامة العالم العربي والإسلامي”!
جرت العادة أنْ تُوكِلَ السّعوديّة لأتباعها تسديدِ الضّربات العشوائيّة. منذ أعوام، قرّرتْ (أو قُرِّر لها، أو استُدْرجت، أو تحامقت.. على اختلافِ الأقوال) أن تُشارِك في “التّسديد” المباشر (كما هو الحال مثلاً مع إرسال قوات درع الجزيرة للبحرين، وشنّ الحرب على اليمن)، كما فتحتْ سوقاً جديدةً أعطت فيها للأتباع مساحاتٍ إضافيّة في “اللّعب المكشوف”، وبدون قواعد أو خطوط حمراء، كما تفعل مع المجموعات المسلّحة التّابعة لها، ومع اللّوبيّات المفبركة التي تدْفعُ لها للدّفاع عنها، وكما هو الحال من قبل ومن بعد مع النّظام في البحرين. يفْصحُ ذلك أنّ السّياسة السّعوديّة ليست في اتّزانها الطّبيعي والصّحي، أقلةً من منظارِ الملفّ البحرانيّ الذي ظلّ آل سعود عاجزون عن إنهائه وفق ما يريدون، وبما يُرضي الحاكمَ بأمرها في الرّفاع.
بالعودةِ إلى رمضان (أغسطس/سبتمبر) ٢٠١٠م، نتذكّرُ أنّ الحاكم حمد وسّعَ أكثر فأكثر من بوابةِ السجن، وأطلق اليدَ لتنفيذِ القمعةِ الأمنيّة التي طالت رموزاً ونشطاء، وقد ظهرَ في العشر الأواخر بـ”خطابٍ” هدّد فيه ـ بوضوحٍ غير مسبوقٍ ربّما – بالانقضاضِ على المعارضة، والهيمنةِ على المنبر الدّيني. في ذلك الخطاب؛ وظّف حمد (أو كاتبُ الخطاب) حقلاً معجميّاً ينتمي إلى السّلفيّة المنمّقة (المسعْودة)، حيث وصّف المعارضةَ باعتبارها خروجاً على “الجماعة وأولي الأمر” (اقرأ: خطاب العشر الأواخر.. نحو استملاك الحقل الدّيني في المدونة:http://naderalmatrook.blogspot.de/2010/ ). مع هذا الخطاب.. قليلةٌ هي الأذهان التي استحضرت اسمين: صلاح البندر، وعادل فليفل. الأوّل إحالةٌ على التقريرِ الذّائع الصّيت الذي حُرِّم تداوله لنزْع وتعطيل الذاكرةِ عن محتواه التآمري. والثّاني هو ترميزٌ للقمعِ الأسود (الدموي والتكفيري في آن).
في رمضان ٢٠١٦م يترجم حمد ـ بالشّرح والتطبيق ـ خطابَ رمضان ٢٠١٠م. أصدرَ قراراً بمنع المنبر الدّيني من التطرُّق للسّياسة، وهو إفصاحٌ “مقنّن” عن فحوى المخطّطِ القديم الرّامي إلى اقتلاع البناءِ التأسيسيّ والاجتماعيّ للمعارضة، وبالتّالي تفريغ هويّتها الأم، على النّحو الذي يختصره إغلاقُ جمعية التوعية والرسالة. وبالتّوازي؛ شرّعَ حمد كلَّ الأبواب (وليس بوابةً واحدة كما في ٢٠١٠م) لإنزالِ القمعِ الممنهج، والمتمدّد، والذي طالَ السّياسيين والدّينيين والحقوقيين، ومن كلِّ الجهات والانتماءات. ومع تمدُّد الاندفاع السّعوديّ و”ميوعة” البريطانيين و”نفاق” الأمريكيين؛ تبدو الفرصة سانحةً أمام النظام الخليفيّ لإنجاز الفصل الأكبر من مشروع “البندر”. ولكن، الانتقال من “الرّغبةِ” إلى “التّنفيذ” لا يعني بالضّرورةِ أنّ النّظام – وداعميه ـ في أحسنِ حالٍ وعلى ما يُرام. المؤكّد أنّ مشاريعَ الإقتلاعِ والتّآمر لا تكون إلا حين يشعر “الخصْم” أنّه بات في موقع “العدو”، وأنّه يتحسّسُ ضيْقاً حواليه وحول عنقه، ويرى النّاسَ مثل صخرةٍ من الأشواك تجثم على صدره. في مثل هذه الحال، فإن أمام النّاس وقادتهم خيارات متعدّدة: خيار فلسطين، خيار الهنود الحُمر، خيار جنوب أفريقيا.