بين المنامة والرياض.. حمام دمٍ لا يتوقف…
البحرين اليوم(مقالات)
بقلم منال حسين
خبرٌ كان وقعه ثقيلٌ على البحرين، حين صحى الشعب على نبأ إقدام النظام السعودي بقطع رأس شابين بحرانيين تعرضا للتعذيب الوحشي وقضيا في سجونه قرابة العقد من الزمان ظلما وعدوانا.
صدى هذه الفاجعة الأليمة دوّى سمعه العالم بأسره، فلم يبقى شخص لديه ضمير إنساني إلا وتضامن وبكى لأجل هذين الشابين المناضلين.
“صادق ثامر وجعفر سلطان” اسمان اجتاحا عناوين المواقع والصحف المحلية والعالمية، فجريمة آل سعود كبيرة لا تغتفر! اختلطت دماء جعفر وصادق بدماء إخوتهم من القطيف والأحساء الذين نحرهم نظام البغي “ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد”. وهي جرائم بمرأى ومسمع العالم، فيها استهتار واستخفاف بشرع الله، وتجاوز واضح وفاضح لكل القوانين والاتفاقات الدولية التي تجرم بهذه الفجاعة.
الجراح غائرة لا تندمل، فعلاوة على ذبح هذه الأنفس الزكية، فإن قبورهم مخفية ليس لها أثر، وعوائلهم حرموا حتى من أبسط حقوقهم في إلقاء نظرة الوداع.
كُتب على المواطن البحراني الشقاء في ظل نظام آل خليفة وتضاعف عليه الجور من قبل نظام آل سعود والإمارات. النظم الخليفي الخليفي المتصهين يمعن في البحرانيين بالتعذيب والقتل وقمع وسلب الحقوق المواطن، وتتوسع دائرة الانتقام خارج الحدود بمطاردة البحرانيين كما حدث من تواطىء فاضح مع السعوديين لإباحة دم الشهيدين سلطان وثامر.
على هول وقع الخبر، أعلنت البحرين الحداد وتوافد الأهالي كباراً وصغاراً ونساءاً وشيوخاً إلى قرية دار كليب، مسقط رأس الشهيدين، والدموع تسبقهم نحو منزل ذويهم ليواسوا عوائلهم المفجوعة بهذا المصاب الأليم.
وبعفوية وغضب، امتلأت شوارع بلدات كل من دار كليب، السنابس، أبو صيبع، الدرّاز، دمستان بمسيرات ومظاهرات تندد بهذه الجريمة النكراء، تحمل شعارات تندد بنظام سعود، وتأبى الخضوع وتصدح حناجرها “لن نركع إلا لله”، ول”يسقط حمد”.
لاقت هذه القضية اهتماماً واسعاً من الإعلام المحلي والدولي، فوسائل إعلام عالمية عديدة تفاعلت مع الخبر، إلى جانب منظمات حقوقية أوروبية ومنظمات أمريكية وبريطانية نددت بهذه الجريمة التي تتعارض مع الأخلاق الإنسانية والقوانين الدولية. وبالرغم من الحملات المنددة والمطالبات الدولية لوقف سياسة الإعدام، إلا أن الإرهاب السعودي نفذ بعدها بأيام جريمة إعدام أخرى بحق ثلاث شبان قطيفيين بمزاعم بنفس الخلفية.
بحسب الإحصاءات قالت جهات مطلعة أن الإعدامات الخمس التي نفذت رفعت حصيلة جرائم القتل السعودية منذ بداية عام 2023 الى 41 شخصاً.
وكانت المعارضة السعودية قد وجهت نداءاً عاجلاً إلى المراجع الدينية في النجف وقم للتصدي للحمام الدموي “بدافع مسؤوليتهم الشرعية في الدفاع عن المظلومين من أبنائهم في الجزيرة العربية، حيث باتوا عرضةً لآلة الإعدامات التي تفتك بشباب لا ذنب لهم سوى أنّهم طالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية وحقوقهم المدنية”. وأشارت المعارضة إلى أنّ “النظام السعودي تجاوز كل الحدود فعلاً من حيث حجم الإعدامات، ومن حيث التشويه والتضليل والكذب والإفتراء”، مؤكّدة أنّه “لا جرم للشباب الذي أُعدموا سوى المطالبة بحقوق مشروعة منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية”.
ومنذ مجيء محمد بن سلمان على سدة الحكم تصاعدت عمليات الإعدام ففي الثاني من يناير ٢٠١٦ وفي خطوة غير مسبوقة ولأول مرة أعدم عالم دين شيعي بارز هو آية الله الشهيد نمر النمر إلأى جانب ٤٦ شخصا آخرين، وفي 12 مارس عام 2022 قام الإرهاب السعودي بارتكاب جريمة إعدام جماعي أوسع شملت 81 شخصاً بينهم 41 من أبناء القطيف. وفي 13 مارس من العام نفسه، أدان “الاتحاد الأوروبي” الإعدامات الجماعية ودعا إلى وقفها بالكامل، “كخطوة أولى نحو الإلغاء الرسمي والكامل لعقوبة الإعدام”.
وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 2018، الدول بتجميد استخدام عقوبة الإعدام، والتضييق على هذه الممارسة تدريجياً، وتقليص الجرائم التي يمكن المعاقبة عليها بالإعدام، وكل هذا على مسار إلغاء العقوبة في نهاية المطاف.
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة القطيف والأحساء (مناطق شيعية في السعودية) تشهد منذ سنين اضطهاداً من قبل السلطات السعودية، حيث يمنع بناء المزيد من المساجد الشيعية وتهدم أحياء ويعتقل ويعدم شبانها. ولعقود طويلة عاش أبناء هذه المناطق نقمة الاضطهاد والظلم والقتل والتشرد من قبل السلطات السعودية، تحمل هذه النقمة عنصر سياسي من ناحية وعنصر ايديولوجي من ناحية أخرى.
فمن ناحية، تعتبر السعودية أن الشيعة في البلاد غير موالين للنظام، ويشكلون خطراً على السلطة والحكم السعودي سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل، اضافةً الى اعتبار أن هذا الجزء من المجتمع هو ذخيرة معادية لهم وبالتالي يجب في كل مرة أن يحاولوا تصفية كل جذور المخاوف لديهم من ناحية هذا المجتمع.
ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من الايديولوجيا التي تتحكم في كثير من الشخصيات السعودية بينها أمراء وقضاة وصحافيون وحتى أناس عاديون هي أيدي متعصبة ضد كل شيعي، وهي حالة عمل النظام السعودي على توسيعها لصرف الناس عن قضاياهم السياسية وإشغالهم بقضايا طائفية لتوظيفها سياسيا. ناهيك أن نظام آل سعود يتقاطع تاريخيا مع الفكر الوهابي القائم على نفي الآخر وتكفيره وخصوصاً الشيعة الذين يبيحون دمائهم وأعراضهم وينظرون إليهم كمشركين،كما يستخدمون ككبش فداء لتصفية حسابات سياسية خارجيا.
وللبحرين حصة من هذا الإرهاب، فآل خليفة لا يختلفون عن آل سعود، فهم ينتمون لذات الجذور الفاسدة، التي ارتوت من دماء الأبرياء وداست على جثث الكثير من المواطنين لتصل الى عرشها المؤقت. فهناك الكثير من البحرانيين يقبعون في السجون الخليفية محكومين بالاعدام، والخطر محذق بحياتهم، وهو ما يتطلب بذل كل الجهود لوقف حمام الدم.