ساهر عريبيمقالات
بغداد “تتشرّف” بزيارة أقدم دكتاتور في العالم
البحرين اليوم – (خاص)
أعلنت وزارة الخارجية العراقية الخميس الماضي، أن إبراهيم الجعفري وجّه دعوة إلى رئيس وزراء البحرين خليفة سلمان آل خليفة لزيارة العراق.
أولا وقبل كل شيء؛ فإن هذه الدعوة خرق للأعراف الدبلوماسية. فالجعفري وزير للخارجية وليس رئيسا للوزراء، وليس من حقه أن يوجّه دعوة لرئيس وزراء بلد آخر لزيارة العراق، إلا إذا كان يحمل دعوة رسمية من رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي.
لكن الإعلان عن الخبر يكشف أن الجعفري هو منْ وجه الدعوة وليس العبادي. هذا التصرف يكشف نرجسية الجعفري واستعلائه، فهو لا يزال يعيش أوهام رئاسة الوزراء التي غادرها مجبرا عام 2006 بعد أن ضاقت مختلف القوى السياسية العراقية ذرعا بخطاباته الرنانة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وتأتي هذه الدعوة بعد أن حوّل وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، الجعفري إلى موضع استهزاء بعد أن نفت الخارجية السعودية ادعاءات الجعفري بأن الجبير تنصّل من تصريحات سفيره في بغداد والمسيئة للحشد الشعبي. فالجعفري يحاول، وعبر هذه الدعوة، التغطية على فشله وعدم كفاءته في إدارة السياسة الخارجية للعراق.
ومن ناحية أخرى، تكشف هذه الدعوة عن حالة انفصام في الشخصية لدى الجعفري، الذي أصبح بعيدا عن الواقع، ومنزويا في قصره، محاطا بجوقة من المطبلين الذين يتعاملون معه بوصفه “فيلسوفاً” لا يضاهيه في مكانته حتى أرسطو! فبعد مبادرة الوساطة “الفنتازية” التي أطلقها للمصالحة بين إيران والسعودية، عاد اليوم لتوجيه دعوة لرئيس وزراء البحرين!
وقد يقول البعض: وهل إن زيارة رئيس وزراء دولة صغيرة مثل البحرين، لا يتجاوز عدد نفوسها تعداد الساكنين في حي واحد ببغداد، قضية مستحيلة وخيالية؟
والجواب: نعم، ولسبب بسيط، وهو أن رئيس وزراء البحرين من أشد المعجبين بالطاغية المقبور صدام حسين.
وينقل بحرانيون مشاهدتهم، وإلى زمن قريب، صورة المقبور صدام وهي معلقة في مكتب خليفة سلمان الخليفة! فالعلاقة التي تربط بينهما كانت وثيقة وصميمية طوال سنوات حكمهما. وكان وما يزال خليفة من أشد الغاضبين على السياسة الأمريكية التي أدت إلى سقوط صدام.
فهل يتوقع الجعفري أن خليفة سيلبي دعوته، ويجلس ويلتقي المسؤولين العراقيين في القصر الذي كان يجلس فيه حبيبه ومثله الأعلى صدام؟ ولو فرضنا المحال، وهو قبول خليفة للدعوة، فإنه سيكون مشروطا بزيارته لقبر صدام!
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما هي الفائدة المرجوة من زيارة هذا الشخص للعراق؟ أولا يعلم الجعفري بأن خليفة هو أقدم رئيس وزراء في العالم، وقد مضى على جلوسه في كرسي رئاسة الوزراء 45 عاما ومنذ حصول البحرين على استقلالها عام 1971؟! فمالذي ستقدمه زيارة مثل هذا الدكتاتور من فائدة للعراق؟
أولا يعلم الجعفري بأن عائلة آل خليفة الحاكمة تهيمن على مقدرات البلاد السياسية والإقتصادية منذ أكثر من قرنين من الزمان، وهي تمارس سياسات التهميش والإضطهاد والتمييز بحق البحرانيين أهل البلد الأصليين؟
أولا يعلم الجعفري بأن عائلة آل خليفة احتلت البحرين بعد أن غزتها من دولة قطر المجاورة؟ أولا يعلم الجعفري بأن للشعب البحراني ثورةً في كل عقد من الزمن بوجه هذه العائلة، ومنذ أوائل القرن الماضي، بعد أن عاملت البحرانيين معاملة العبيد؟
أولا يعلم الجعفري بأن البحرانيين محظور عليهم الإنخراط في أجهزة الشرطة والجيش المُشْرَعة أبوابها أمام المرتزقة المستوردين من باكستان وسوريا واليمن، فضلا عن فدائيي صدام؟ أولا يعلم الجعفري بأن هذه العائلة قمعت بالحديد والنار ثورة الرابع عشر من فبراير التي اندلعت في البلاد عام 2011 للمطالبة بالعدالة والمساواة، وأنها استعانت بالجيش السعودي لقمع الثورة؟
أولا يعلم الجعفري بأن رئيس الوزراء الخليفي أمر بهدم أكثر من 30 مسجدا شيعيا في البحرين بعد أسابيع من اندلاع الثورة؟ أولا يعلم بأن أكثر من ثلاثة آلاف ناشط ومعارض سياسي وحقوقي يقبعون في سجون البحرين، ومن بينهم أكثر من 200 طفل؟
أولا يعلم الجعفري بأن السلطات الحاكمة أغلقت كافة أبواب الحوار مع الجمعيات السياسية المعارضة، وزجت بقادتها في السجون، وفي طليعتهم الشيخ علي سلمان وإبراهيم شريف وفاضل عباس؟ أولا يعلم الجعفري بأن قادة ورموز الثورة صدرت عليهم أحكام مطولة بالسجن على خلفية مطالبتهم بإنهاء سياسات التمييز؟
أولا يعلم الجعفري بأن آل خليفة حوّلوا البحرين إلى ثكنة عسكرية للقوات الأجنبية؟ فهي مقر للأسطول الخامس الأمريكي وهي مقر لأول قاعدة عسكرية بريطانية في المنطقة؟ وأن القوات العسكرية السعودية لا تزال تحتل البلاد، وأن قوة ما يسمى بأمواج الخليج الإماراتية تساهم بقمع المواطنين في البحرين؟!
وأخيرا.. ألا يعلم الجعفري بأن المنامة أصبحت عاصمة للتعذيب في العالم وفقا لتقارير العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، ومنها هيومن رايتس ووتش التي أصدرت تقريرا بشأنها يوم الجمعة 29 يناير؟!
إن كان الجعفري يعلم كل ذلك.. ومع ذلك يوجه تلك الدعوة؛ فتلك مصيبة، وإن كان لا يدري ولا يعلم.. فالمصيبة أعظم!