بايدن في ضيافة بن سلمان!
البحرين اليوم – متابعات ..
حسم البيت الأبيض الأميركي الجدل والتكهنات بشأن زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية. أعلنت المتحدثة باسمه أن الرئيس سيزور الرياض منتصف الشهر المقبل ضمن رحلة تشمل أيضا” إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة.
واجه البيت الأبيض ومنذ تسرب الأنباء بشأن الرحلة انتقادات من مشرعين ديمقراطيين ومن وسائل إعلام أميركية ومن منظمات مجتمع مدني. إذ عدتها تنصلا من وعد قطعه بايدن في خضم حملته الإنتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة فضلا عن تعهده بأن يدفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ثمن مقتل الصحفي في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.
إلا أن الرئيس الأميركي برّر زيارته المقررة إلى الرياض بأنها تهدف لتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط وأنه سيزور السعودية للمشاركة في مؤتمر دولي. هذه التبريرات لم تقنع مراقبين, يرون أن بايدن الذي يعاني من مصاعب اقتصادية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها خلال 40 عاما نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا, يرون أن بايدن وضع معادلة الطاقة وأمن إسرائيل فوق حقوق الإنسان وإلى حد التنازل ولقاء بن سلمان!
يصل الأمر ببعض المراقبين إلى القول بأن بايدن قد انصاع لابن سلمان الذي رفض التجاوب مع مطالب الإدارة الأميركية برفع إنتاج النفط من أجل خفض أسعاره. وبالمقابل يرى آخرون أن السعودية ورغم أنها أحد أكبر منتجي النفط في العالم, فإنها لن تخرج عن فلك الولايات المتحدة ولا عن حمايتها العسكري. فالعلاقات بين البلدين ومنذ تأسيس المملكة قائمة على تحالف استراتيجي مبني على تقديم الحماية الأميركية مقابل تدفق إمدادات النفط والاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة فضلا عن كون السعودية زبون أساس لشركات الأسلحة الأميركية. كما أن الولايات المتحدة قدمت شتى أنواع الدعم اللوجستي والاستخباراتي والسياسي طوال سنوات الحرب السعودية على اليمن. غير أن كل ذلك لا يعني أن العلاقات بين البلدين لا تشهد فترات برود عادة ما تظهر مع تولي إدارة ديمقراطية مقاليد الحكم في البيت الأبيض.
مرت بمثل هذا الوضع خلال السنوات التي تولى فيها الرئيس الأسبق باراك أوباما إدارة دفة البلاد, حيث ارتفع حينها الحديث عن حالة حقوق الإنسان في السعودية و وقع تباين بينهما على خلفيات ملفات من بينها الملف النووي الإيراني. إذ لم تكن الرياض راضية عن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران, والذي مزقه الرئيس السابق دونالد ترمب, وهو ما يفسر أن العلاقات السعودية الأميركية شهدت في عهده تطورا لافتا تراجع مع خسارة ترمب للانتخابات الرئاسية.
ولذا فيبدو أن هناك تنازلا أميركيا أمام الرياض, لكن هذا التنازل لا يبدو بلا ثمن تدفعه السعودية. فمن المؤكد أن هناك صفقة بين الرياض وواشنطن تقضي بإعادة تأهيل محمد بن سلمان دوليا مقابل مضيه قدما في مشاريع يحملها بايدن في جعبته إلى الرياض خلال زيارته المرتقبة.
أول تلك المشاريع هو دمج دفاعات الدول العربية الحليفة لواشنطن مع الدفاعات الإسرائيلي والتطبيع مع الرياض. فقد طرح مشرعون أميركيون مشروع قانون يمهل وزارة الدفاع البنتاغون مهلة 180 يوما لإعداد استراتيجية لدمج دفاعات إسرائيل مع دفاعات تسع دول عربية من بينها السعودية. ومن ناحية أخرى فإن هناك ترتيبات أمنية بين إسرائيل والسعودية في مضيق تيران من المقرر أن يعلن عنها الرئيس الأميركي خلال الزيارة. كل هذه التطورات تشير إلى أن التطبيع بين الرياض وكيان الاحتلال ليس سوى مسألة وقت وأنه جار على قدم وساق خلف الستار.
يبقى هاجس الطاقة هو الأول لبايدن رغم ادعائه أن الهدف من زيارة الرياض ليس خفض أسعار النفط, فمستويات التضخم القياسية في الولايات المتحدة تؤكد أن المطالب الأميركية لرفع انتاج النفط تحتل الأولوية في أجندة هذه الزيارة. يضاف إلى ذلك المساعي الأميركية لعزل روسيا في ضوء الأزمة الأوكرانية, فواشنطن لا تريد أن ترى تعاونا بين موسكو الرياض على صعيد أسواق النفط, مع مطالبة بعض الدول بإخراج روسيا من تجمع أوبك بلس.
ويظل الموضوع الأبرز الذي يلقي بظلاله على هذه الزيارة هو موضوعة حقوق الإنسان التي طالما تبجحت الإدارات الديمقراطية بالدفاع عنها, فقد بات واضحا بأن هذه الإدارة لا تكترث لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة, ولا لحملات الإعدامات التي تنفذها, ولا مطالبات بإطلاق سراح سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان.
كل ذلك يعني أن مصالح أميركا وحليفتها إسرائيل تقتضي إطلاق يد الأنظمة القمعية في المنطقة وخاصة النفطية منها ووضع ملف حقوق الإنسان على الرف, وهو ما يعني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من انتهاك الحقوق قد تكون أسوأ من التي سبقتها.