المنامة – البحرين اليوم
في جلسة ابتهال خاصة، تُوقِد مجموعة من النساء الشموعَ والأيدي المتضرّعة من أجل الفرج عن معتقلين في بلدة كرزكان وجدوا أنفسهم فجأة متهمين في “خلية إرهابية”. أهالي المعتقلين يتوجهون في يوم عرفة بقلوبٍ أكثر اتقادا لأجل أن يُنزل الفرج على المعتقلين، ولاسيما الذين حُرموا من رعاية أبنائهم، وتجرعوا مرارة أن يكونوا بعيدا عنهم في هذه الأيام التي يحتفل فيها الناس بأفراح العيد والأضاحي.
اختار النظام الخليفي هذه المرة عوائلَ من بلدة كرزكان لكي ينتقم من أبنائها الصغار، وكأن إرثه في اللؤم وبثّ الأحقاد لا يسمح له بأن يبقى مدة طويلة من الزمن دون أن يبتكر شكلا جديدا من الإجرام وإنزال المعاناة على الناس.
هذه المرة، يعتقل النظامُ الأمَ والأب معاً. يوجه إليهما اتهامات “خطيرة” بعد أن يشهّر بهما وينشر صورهما ضمن بيان أعلنت عنه وزارة الداخلية في ٢٤ أغسطس ٢٠١٧م وزعمت فيه القبض على “خلية متورطة بأعمال إرهابية وحيازة أسلحة”.
الوالدان المعتقلان زينب عباس مرهون وزوجها أمين حبيب علي جاسم، لا يفكّران الآن بالأغلال ولا بالأحكام الجاهزة التي تنتظرهما، ولكن قلبهما يخفق ألماً وهما يفكّران في ابنيهما الصغيرين اللذين لا يعرفان أين هما، وبأيّ ذنب اختُطفا بعيدا عنهما! معاناة الوالدين تزيد مرارتها في يوم العيد الذي ينتظر فيه الصغار المفاجآت السّارة والهدايا من الوالدين الحنونين. الصغيران لم يُدركا بعد ما الذي يتناقله الناس بشأن والديهما، وما معنى أن تُنشر صورتهما مع خالهما في التلفزيون الرسمي! ما يعرفانه جيدا هو أن شيئا من الأشياء الجميلة التي تحدث لهما عادةً قبيل الأعياد لم يرياها هذه المرة، كاملةً، وبحضور أجمل الأشخاص.
تلك معاناة اختبرها ويختبرها كثيرون من الصغار في البحرين، ممن لا يجدون حولهم أباهم أو أمهم أو الاثنين معاً، فتُصبح مهمة إسعادهم بالأعياد مهمة غير يسيرة. وعندما تتمّ المهمة ببعضٍ من جهود الأهلِ والأحبّة؛ فإن جريان الدموع لا يتوقف حينما تقفز القلوب باتجاه أولئك المغيبين في السجون أو المنافي، أو في مجاهيل المطاردة.
من كرزكان نفسها.. لم يكن الأستاذ محمود محمد علي البحراني يُدرك بأن المعاناة التي رآها وهو يُحاصَر في “غرف الموت”؛ ستكون مفتوحةً على معاناة لا تقلّ ألما على القلب، وذلك حين تداهم القوات الخليفية منزله وتهتك حرمته، وتقوم باختطاف زوجته وأبنائه الثلاثة إلى جهة مجهولة، ليعرف بعدها أهله أن العائلة رُحّلت قسرا إلى لبنان.
محمود الذي يعمل مدرّسا للغة العربية.. سيعجز، على الأغلب، عن الإمساك بكلمات تعبّر عن تعجّبه من هذا الانتقام المتعجّل. لم يمض أكثر من أسبوعين على اعتقاله، ولم يصدر حكم قضائي في الاتهامات الموجهة ضده في الخلية المزعومة ذاتها، ولكن النظام لم ينتظر ذلك كله، وأسرع لكي يُكمل جرعات القساوة على ضحاياه من عوائل المعتقلين. ألغى ضابط من جهاز الأمن الوطني خدمة الاتصال من جهاز زوجة محمود قبل أن تُرحّل مع الأبناء الثلاثة. ظنّ الضابط – الذي امتهن الإذلال وإهانة الكرامات في غرف التعذيب – بأنه سيُرضي أكثر شغفه في إيلام الناس عندما يكون له “شرف” تنفيذ جريمة إبعاد الزوجة والأبناء عن والدهم، ليس عبر السجن فقط ولكن بالترحيل خارج البلاد.
آثار هذه المعاناة على الأطفال ليس لها حدود. الكدمات في النفوس لا تُمحى بسرعة، وجروح القلوب لا تُشفى إلا حين تلتئم القلوب مع القلوب. وهذا هو أملُ العوائل المظلومة التي تعاني من فراق الآباء والأمهات عن الأبناء الصغار، وهو أمل يتربّى عليه هؤلاء الصغار جنبا إلى جنب غضبهم الذي ينمو أسرع من أعمارهم ضد هذه العصابة التي تختطف أفراح الأطفال في الأعياد.