المشروع الداعشي في البحرين
إذا افترضنا أن الدواعش منتج سلفي، وهابي، يمكن لنا أن نقدر حجم قاعدته في البحرين من عدة معطيات، ستظل على أي حال مجال أخذ ورد.
وأفضل هنا التريث قبل الخروج بخلاصة معينة، وأن أبدأ باستعراض معطيات كمية، قد تكون مفيدة في إعطاء صورة عن الحجم الشعبي للسلف في الأوساط السنية، وتاليا الدعم الشعبي للدواعش منهم، ذلك أنه من المهم الإدراك بوجود فوارق ما بين السلف الكلاسيكيين، والدواعش السائرين على نهج البغدادي.
لقد حصلت الأصالة السلفية في انتخابات 2010 على نسبة 4,6 في المئة من نسبة الأصوات التي حصل عليها النواب، فالنائبين المحسوبين على الأصالة غانم البوعينين وعبدالحليم مراد حصلا على 5952 صوتاً، وهذه الأرقام لا تشمل النائب عادل المعاودة الذي فاز بمقعد البسيتين بالتزكية.
إذا، نحن نتحدث عن حضور شعبي محدود، إذا افترضنا بطبيعة الحال أن الانتخابات مؤشر يمكن الاعتداد به. الأكثر من ذلك فقد خسرت جمعية الأصالة في تلك الانتخابات مقعد النائب عيسى أبو الفتح، وكذا مقعد النائب حمد المهندي، الذي هاجر إلى قطر، ساخطا، إثر تدخل السلطة لاسقاطه لصالح عبدالله بن حويل، الذي يصنف على أنه مستقل، والواقع أن النواب المستقلين الـ 17 في أغلبهم مشاريع حكومية.. وبالتالي فإن تدخل السلطات في الدوائر السنية كان وسيظل فجا للغاية لصالح المستقلين عموما، وبعض الإسلاميين السلفيين.
وفيما يخص جمعية المنبر الإسلامي (الإخوان المسلمون) فقد حصلت على نسبة 4,2 في المئة من الأصوات في انتخابات 2010، ذهبا لصاح نائبيها علي أحمد ومحمد العمادي، وقد خسر مرشحو الإخوان: عبداللطيف الشيخ (رئيس الجمعية)، طارق الشيخ، عدنان بومطيع، وعبدالرحمن الحسن، عبدالباسط الشاعر، وإبراهيم الحادي.
ولا يتوقع أن يكون الحال أفضل في الانتخابات المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، إذ يصعب تصور أن يحصل أي من الأصالة أو المنبر على 6 أو 7 أو 8 مقاعد كما فعلتا في انتخابات 2002 و2006.
ذلك التراجع لا يعود فقط إلى كون المد الإخواني آخذ في التراجع عربيا بعد الضربة العسكرية واسقاط الرئيس محمد مرسي من قبل عسكر مصر، وكذا في ظل تصنيف السعودية للإخوان كحركة إرهابية، وقيام الإمارات بحملة ضد مناصري الإخوان في الإمارات وخارجها، ذلك أن التراجع الإخواني في البحرين حصل في انتخابات 2010، أي قبل نحو ثلاث سنوات من الانقلاب في مصر وبدأ الحملة السعودية الإماراتية ضد الإخوان.. فيما إخوان البحرين هم أصلا منتج مرضي عنه عربيا، ولم يشهد ضربة أمنية. (راجع : الإخوان المسلمون البحرين.. النموذج المرضي عنه عربيا)
وكون ورقة السلف في ازدهار نسبي عربيا، بعد زيادة تحالف الحكومات الدكتاتورية مع السلف، وأيضا بعد تدهور النموذج الإخواني لأسباب تتعلق بأدائهم السياسي مرة أولى، ومرة اخرى بسبب الحملة القاسية ضدهم عربيا.. رغم ذلك، فإنه يصعب التكهن بأن أداء سلفيي البحرين السياسي والانتخابي سيكون أفضل من 2014، وأن حضورهم في أوساط الرأي العام سيتعاظم… فالحركة الإسلامية السنية في البحرين تخضع إلى حد كبير إلى السلطة الحاكمة وتوجهاتها، وليس مبالغة القول أبدا أنهم أداة حكومية، كما يثبتها الأداء البرلماني والسياسي للنخبة الإسلامية السنية، ليس فقط بعد 14 فبراير 2011، وإنما منذ انطلاقة مجلس النواب في 2002، وكذا في السنوات التي أعقبت حل البرلمان في 1975.
حسنا، مادام الوجود الإسلامي السني هش شعبيا، لأسباب أو أخرى، وبافتراض أن الدواعش منتج إسلامي سني، سلفي على وجه التحديد، فهل يعني ذلك أن الدواعش غير متواجدين في البحرين على اعتبار أن الإسلاميين السنة من إخوان وسلف لا يحظون بأكثر من 9 في المئة من أصوات الناخبين؟
الفرضية التي أدعيها للإحابة على ذلك تنقسم إلى شقين:
الأول، إن النسبة المذكورة أكثر من كافية لاحتضان أفكار متطرفة. بيد أنه من المهم النظر إلى أن مشروع العنف ضد الآخر في البحرين، هو مشروع حكومي، وأن البلطجية/ المدنيين المسلحين، والدواعش من أمثال جاسم السعيدي (عسكري سابق/ نائب سلفي مستقل) الذي رفع يوما سيفا في دوار الساعة في الرفاع، أداة خليفيّة توجه ضد المناوئين للنظام.
ثانيا، أن سافكي الدم المفترضين في البحرين، يضمون بعض السلف وبعض المستقلين الذين هم أداة حكومية خالصة (فاز المستقلون بنحو 27% من أصوات الناخبين في 2010). وبالمقارنة مع الحالة العراقية، فإن الدواعش منتج انطلق في عهد صدام حسين حين بدأ الرئيس البعثي السابق ما عرف بالحملة الإيمانية في أعقاب حرب تحرير دولة الكويت، وراهنا فإن الدواعش في العراق يضمون إلى جانب السلف، الكثير من البعثيين، ومن قادة الأجهزة الصدامية السابقة، وحتى بعض من السنة غير المؤدلجين تقليديا.. ويمكن ملاحظة نموذح العنف (الشعبي) ضد المعارضين بين فبراير ومارس 2011 وتشكلاته كأحد نماذج العنف القابلة للتطور والتعميم، وبعض هؤلاء يعتقدون أنهم قاموا بحرب استباقية ومبررة ضد الشيعية في البحرين، لا تختلف كيثرا عن الحرب المبررة، بنظرهم، الذي يقودها دواعش العراق حاليا ضد السلطة المركزية، وإن جانبها الصواب أحيانا، في اعتقادهم.
وعليه، فإن حصر الرقابة في الجسم السلفي للبحث عن الدواعش المفترضين هي تعمية واضحة لواقع أكثر إشكالا. فالدواعش في البحرين جسم أكبر من السلفيين، يغذيهم وضع إقليمي منفلت، خصوصا في العراق وسوريا، وسيناريوهات قاتمة تحيط بالمنطقة.
هذه ليست محاولة للخلط بين عنف الدولة، وعنف الدواعش، لكنهما قراءة تفترض التحالف بين الاثنين على خلفية العدو الشيعي المشترك، الذي اذا انتفى قد يصطدم الطرفان، لذلك فإن احتمال أن ينال النظام بعض الخطر من الدواعش السلفيين، يظل موجودا لكنه محدود، ذلك أنه يصعب ضبط إيقاع الدواعش على نحو كامل، لكن من المؤكد، في نظري، أن سفك الدم الشيعي في حالة البحرين، يحظى بالأولوية.
بيد إن الأهم هنا أن مشروع العنف السني المفترض في البحرين، سيتبلور في حال الفشل في إقامة دولة ديمقراطية تحظى برضا الجميع، وفي ذلك يمكن مراجعة ورقة: الموالون السنة في البحرين: مشروع محتمل للمعارضة الدامية. http://www.bcsl.org.uk/ar/studies/sunnis-loyalists-in-bahrain-a-contingently-project-for-the-bleeding-opposition