اللّي جرّب المجرّب عقله مخرّب
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: كريم العرادي
كاتب من البحرين
جميل أن يكون المرء منفتحا مع الآخرين، ولا أحد يتردد في احترام الإنسان الذي يفتح قلبه وعقله للرأي الآخر. هذه نقطة واضحة، ولا تحتاج إلى دروس في الفلسفة وعلم الأخلاق. ولكن في السياسة، وفي أوضاع النضال، لابد أن نقرأ الأمور بطريقة مختلفة.
شخصيا أشعر بالاشمئزاز من الذين يحاولون أن يلبسوا ثوب “الانفتاح” على الرأي الآخر، وأن يفتحوا الباب والمصراع من أجل مناقشة هذا الرأي على الملأ، وذلك لكي يتم تثبيت فكرة “نحن أصحاب حوار، وعقلنا وقلبنا منفتح على الآراء المختلفة”. أشعر بأن هؤلاء بسبب أوقات الفراغ التي يعيشون فيها؛ لا يجدون شيئا يفعلونه غير أن يبهرجوا لنا بهذه الحدوتة، وخاصة في الموضوعات المحسومة. ماذا يعني مثلا أن تفتح حوارات مع ضابط سابق في جيش آل خليفة؟ وهل يفهم هؤلاء أن إلباس هذا الشخص ثوب “الناشط السياسي”، هو جزء من تعويم المشبوهين؟
في الانتخابات البرلمانية يظن أمثال هؤلاء بأن الموضوع هو مقاطعة هذه الانتخابات فقط، وهو أمر ساذج، ويذكرنا بمشكلتنا الأم مع المشاركين في الانتخابات، منذ 2002 وحتى اليوم، وهي مشكلة “التفكير الأعوج”، الذي يعتقد أن الدوران، والتحايل بالكلمات، واستخدام أدوات الإيهام، والاختباء وراء الكلمات التافهة (مثل: الأمر الواقع، التغيير التدريحي..)، يمكن أن يُخفف من حماقة الاعتقاد بأن تجريب اللعبة السياسية مع نظام قاتل وفاجر؛ يمكن أن يسهم في تحقيق شيء ما، أو تغيير بعض قواعد اللعبة. هؤلاء من كبار السن ومن المراهقين ومن الضائعين في الأسواق الجديدة (سوق الميديا، سوق الاغتراب، سوق البزنس السياسي، سوق اللوفرقة المؤمنة..)؛ في الأغلب لا يملكون وعيا سياسيا عميقا، والفكر النضالي عندهم توقف عند آخر محطة نزول وصلوا إليها، وعقليتهم باتت محكومة باختلاق بطولات وعضلات وهمية.
لا أعتقد أن كلّ المعارضة حتى الآن جاهزة لخوض معركة المفاصلة مع النظام، أو أنها لا تعرف أن تدير الإعلام، والخطاب السياسي، والعلاقات العامة، وأدوات النصرة من الحلفاء؛ باتجاه هذه المعركة. وفي كل الأحوال، لن يكون لما يقوم به أصحاب الخبرات الضئيلة، والمتحمسين للهدرة الزائدة، أي أثر في تغيير موجة الناس، التي جرّبت المجرّب أكثر مرة، وبعث الله إليهم أكثر من عاقل حريص وقال لهم بأن أي تجريب آخر لهذا المجرّب الفاشل سيعني أن هناك خرابا في العقل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.