العراق والسعودية.. ما هو أهم من التقارب السّياسي
البحرين اليوم – (خاص)
تدخلُ، فيما يبدو، العلاقات بين العراق والسّعوديّة مرحلةً جديدة من “التقارب السّياسي“. وهو تقاربٌ بدأت مفاتيحه الأولى مع تغيّر الوجوه الحاكمة في العراق، والتي بدأت إطلاق مواقفَ تجاه السّعوديّة، والخليج عامةً، تقوم على فكرة “حُسن الجوار“ و“تحسين العلاقات“ تطوير “المصالح المشتركة“.
كان واضحاً أنّ المشكلة بين بغداد والرياض؛ هي مشكلة “وجوه“ لم تكن قادرة على “تجاوز“ إرث الخصومة بين الطرفين، فضلاً عن “الإعاقة“ الداخليّة، وفي كلا البلدين، والتي تتمثّل أساساً في “التّضخم الطائفي“ الذي شكّلَ منهج التعاطي المتبادل.
استطاع العراق أن يُنجز قدراً من “التجاوز“، ومنحَ الرياض اختباراً لإثبات حُسن النّوايا، وذلك من خلال استبدال “الصقور“، واستقدام الأسماء القادرة على تعويم الخطاب التّصالحي مع الرياض. وجدت الأخيرةُ نفسها مضطرةً لقبول الاختبار، ولاسيما مع الشّعور “المشترك“ بخطر الإرهاب، والتّلاقي غير المقصود الذي وفّره الانخراط في “التحالف الدولي ضد داعش“.
اختارت الرياضُ سفيرَها في طهران، عبد الرحمن الشهري، ليكون على رأس الوفد السعودي المكلّف بافتتاح السفارة في بغداد والقنصلية في أربيل. والشهري، صاحب القبلة الشّهيرة على جبين الشيخ هاشمي رفسنجاني، يمثّل وجهاً اعتداليّاً – وفق المقاييس الدّبلوماسيّة – ويملك القدرة التفاوضيّة مع بيئة العراق المركّبة، فضلاً عن مؤهلاته الشخصية التي تسمح له بممارسة “التجاوز“ النفسي والذهني الموازي للتجاوز العراقي، ولاسيما فيما يتعلق بالحاجز المذهبي، بحكم علاقاته وصداقاته في إيران.
المعنيّون بملف العلاقات بين العراق والسعوديّة لا يستبعدون أن هذا التقارب، المتسارع، ومنذ زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى السعودية قبل أشهر؛ ليس بعيداً عن “الاضطرار” الذي يفرضه الحسّ بالخطر المشترك من الجماعات المسلحة (الإرهابيّة)، إلا أنّ القيّمين على هذا التقارب معنيّون بدراسة تقاربٍ آخر بين البلدين، وتحديداً في الموضوع الدّيني والمذهبي.
بالنسبة للعراق، فإن مرجعيتها الدّينيّة قدّمت انفتاحاً غير جديدٍ مع الآخر المسلم. وكانت كلمة السيد علي السيستاني في هذا المجال، وفي أكثر من موقف، واضحةً، حيث شدّد على التّعاطي مع السّنة ليس باعتبارهم “اخواننا“، بل “أنفسنا“.
حتّى الآن، لا يبدو أن السّعوديّة مندفعة للخوض في هذا الاختبار “الديني“، كما فعلت في “الاختبار السياسي“. من الأرجح أنّ العائق الداخلي له أثره الكبير في ذلك، حيث لاتزال المؤسّسة الوهابية تملك تأثيرها الضاغط على الفعل السياسي السعودي، في الوقت لم ترتقِ بعد “التّوجهات“ الإصلاحيّة التي أذاعها الملك عبد الله، ومنذ مارس من العام الماضي على الأقل، في تفكيك هذه المؤسّسة أواستدراجها إلى “الفضاء التقاربي“ مع العراق/الدّيني.
وإلى أن تنجح السعودية في هذا الاختبار، فإن العراق – وخاصة الطبقة السياسية الحاكمة – منتظر منه أن يمنح الرياض مزيداً من الاختبارات التي تدعوها إلى المضي، أو الاقتناع، نحو التقارب مع العراق/الديني، ولكن ليس على صيغة “مجمع التقريب“، أو “بيان مكة“ الشهير، بل على صيغةٍ أخرى تأخذ خصوصيتها من طبيعة العلاقة السياسية الجديدة بين البلدين، وأنّ هذه العلاقة ليست في أمان كامل من الانفجار، ما لم تُحصّن بعلاقات “أخويّة“ مرادفة في الموضوع الدّيني.
من المؤكد أن هذا الأمر مُحاط بأكثر من عائق أو إشكالية، ليس في حدود العراق والسعوديّة فحسب، بل ثمّة عوائق أخرى يمكن أن تظهر من الزّعامة “السنية“ في تركيا ومصر، ومن الزّعامة “الشيعية“ في إيران.