(1) "الصندوق الأسود" لحزب الله الحجاز: كيف تم اختطاف أحمد المغسل؟
اختطاف تحت ستار “الزّبالة”
بعد صمتٍ امتدّ قرابة الأسبوعين، كشف النّظامُ السّعوديّ عن جريمة اختطاف المعارض البارز أحمد المغسل (أبو عمران) من مطار بيروت، بالتّعاون مع جهاز أمن المعلومات، الذي يُديره حلفاء البيتِ الحريري.
تأخّر الرّياض عن الإعلان لم يكن قراراً، بل كان له صلةُ بطبيعة الجريمةِ التي يؤكّد سياسيّون لبنانيّون أنّها جرت “خلافاً للأعراف القانونيّة المتبعة”، وتمّ اقترافها على قاعدة “أنّ لبنان لا توجد فيه دولة، وأنّه يحقّ لآل سعود أن يفعوا فيه ما يشاءون، وبرهْن الأموال التي يملكونها”، وفق ما يقول أحد المعلقين اللبنانيين ل(البحرين اليوم).
صحيفة (السفير) اللّبنانيّة اختارت أن تُحرِّك المياه، ونشرت خبراً مقتضباً، وغير واضح، في زاوية “عيون”، وذكرت فيه أن “مواطناً سعوديّاً” تم تسليمه إلى الرياض عبر مطار بيروت. الخبر الذي لم يتجاوز السّطرين، كان بداية إشعال الأسئلة حول هوية هذا المواطن، وطبيعة التّهم الموجّهة ضدّه، وتحت أيّ غطاءٍ “قانونيّ” جرى تسليمه. في اليوم نفسه، نشر موقع “الحرية والتغيير”، والذي يعبّر عن طيفٍ معارضٍ في المنطقة الشرقية بالسعوديّة، الخبرَ نقلاً عن السّفير، وأضاف إليه بعض “التوضيحات”، من غير البوح باسم المختطف، بشأن وقوف جهاز أمن المعلومات وراء عملية التسليم.
(البحرين اليوم) وصلتها معلومات قبل ذلك بشأن عملية الاختطاف، وأكدت لها المصادر هوية المختطف، إلا أنّها احترمت “وجهة نظر” هذه المصادر في عدم التّصريح عن ذلك، لحين انجلاء الصّورة، وإعلان الجهات الرسميّة في بيروت أو الرياض. وقد كانت (البحرين اليوم) أوّل الجهات الإعلاميّة التي ألمحت بشكل صريح إلى أنّ المواطن المختطف، هو “معارض سياسيّ بارز”.
حزب الله (الحجاز): التنظيم الأبوي الذي تلاشى
أغلب المصادر القريبة من المعارض المختطف المغسل، فضّلت، حتّى الآن النأي عن الخوض في الموضوع الذي بات محلاّ للتفاخر بين الصّحف السّعوديّة، والتي أعادت الحديث عن تفجيرات “الخبر”، باعتبار أن المغسل، ومن ورائه إيران وحزب الله اللّبنانيّ، وراء تنفيذها.
التفاخر السّعوديّ بدا واضحاً مع الحديث عن المغسل باعتباره “العقل المدبّر” للتفجيرات، وأنّه “القائد العسكري” لحزب الله الحجاز. وبمعزل عن طبيعة هذه التوصيفات، فإنّه بالعودة إلى أيّام قليلةٍ فقط من الإعلان الرسمي السعوديّ عن اختطاف المغسل، فإنّ الصّحف الرسميّة في السعوديّة أعادت فتْح ملف تفجرات “الخبر”، ونشرت صحيفة “الرياض” بتاريخ 21 أغسطس 2015م صورةً لموقع التفجير، وكتبت أسفل منها ما يشير إلى أنّ تنظيم القاعدة هو وراء هذه العمليّة.
يفتح ذلك جزءاً من حقيقة الملفّ المفبرك الذي لا تزال السعوديّة تتعاطى معه، وبغرض إبقاء “حزب الله” الحجاز في ذلك “الخطر الدائم”، وعلى النّحو الذي يُحقّق لآل سعود أغراضهم الأمنيّة والسياسيّة، ولاسيما بعد التغيّرات الإقليميّة الأخيرة، وتورّط السعودية في الحرب على اليمن، وما جرى من تغيّرات مؤثرة في الوسط الإقليمي والدّولي بعد إبرام الاتفاق النّووي الإيرانيّ.
وقبل الدخول في هذا الملف، فإنّه من المهم الإشارة إلى أن حزب الله الحجاز، والذي تشّكلت نواته الأساسيّة في مطلع الثمانينات، ثم أخذ صيته الأبرز في نهاية عقد التسعينات، لم يعد له وجود حقيقيّ – على الأقل – منذ دخول المعارضة السّعوديّة نفق “الموجة الإصلاحيّة” في منتصف التسعينات، وعودة أبرز المعارضين السياسيين إلى البلاد، وأبرزهم الشيخ حسن الصّفار، الذي كان يُنظر إليه باعتباره “القائد السياسي” لحزب الله الحجاز، ولكن تحت عنوان “منظمة الثورة الإسلاميّة”، وبعناوين مرجعية مختلفة.
القيادات الروحيّة والتعبويّة لحزب الله الحجاز، وبينهم الشّيخ عبدالكريم الحبيل، والسيد هاشم الشخص، والشيخ جعفر المبارك (الذي اتخذ مساراً آخر بعيداً بعد الإفراج عنه)، لا تزال حاضرةً في داخل السعوديّة، وتمارس نشاطا علنيّاً، رغم اعتقالها في الماضي بعد الضربات الأمنيّة التي اجتاحت وتوالت على المنطقة الشرقيّة، وابتدءاً مع انتفاضة المحرم (مطلع الثمانينات). وهذا الظهور المتجدِّد للقيادات التي اتّهمت بالانتماء إلى حزب الله الحجاز يؤكّد أنّ الحزب المذكور كان شكلاً من أشكال التوجيه الثوري الذي لم يتعاط مع العمل العسكريّ المباشر، وأخذ مخزونه “التعبوي” من الصدى العميق للثورة الإيرانيّة التي امتدت على الخليج والمنطقة. ولذلك، سيكون من المغالطة القول بأنّ هذا الصّدى انعكس – بالضرورة – تبنياً كاملاً للخيارات “العسكريّة” التي كانت تدغدغ مشاعر الكثيرين ممّن ينتظر الخلاص من الأنظمة الجائرة في المنطقة.
لا يعني ذلك أن الطيف الذي شكّل الاتجاه العام لحزب الله الحجاز لم يكن منخرطاً في ميادين عسكريّة معينة، وتحديداً في الجبهة الإيرانيّة ضد نظام صدام حسين، وفي الجبهة اللبنانيّة في مواجهة الكيان الصهيوني، وخاصة بعد اجتياح بيروت. غير أنّ الوفرة العسكرية التي تلقّاها منْ يُحسبون على قيادات الحزب “الحجازي”؛ لم تنعكس تنظيمياً في داخل السّعوديّة، ولأسبابٍ كثيرةٍ، أبرزها أنّ البيئة الاجتماعيّة الداخلية لم تكن في مستوى أن تحتضن أيّ شكل من أشكال “العنف الثوري العميق”، فضلا عن طبيعة الأوضاع الإقليمية التي لم تصل بعد إلى مرحلة “الخضة الإستراتيجية” – على النحو الحاصل اليوم – والذي يمكن أن تبرّر الدخول في مرحلة تفجير الساحات الداخلية.
بالعودة إلى ملفّ اختطاف المغسل، والسيناريوهات المحيطة بهذه العملية، من المهم أولاً التوقف عند مدى معرفة الأجهزة الأمنيّة والقضائية في لبنان بهذه العملية، وهل ثمّة “تواطوء” بالفعل بين الأجهزة على تسليم المغسل إلى السعودية أم لا!
صحيفة النهار: عملية التسليم منذ البدء تمت بإشراف القضاء
قد يكون ما أوردته صحيفة النّهار اللبنانيّة يوم الجمعة، 28 أغسطس 2015م، مادةً “مثيرة” لفتح العديد من الأبواب والتساؤلات بشأن حقيقة “عملية الاختطاف” التي تعرّض لها رجلٌ يُفترض أنه لم يكن يزور لبنان لأوّل مرةٍ – على الأقل بوسائل مختلفة – حيث إنّ المغسل متزوج من لبنانيّة.
تنقل “النهار” عن مصادر قضائيّة بأنّ العملية “من بدايتها الى حين تسليمه إلى السعودية؛ تمت بإشراف القضاء ومتابعته من الألف إلى الياء”، وتضيف مصادر الصحيفة ذات التوجّه القريب من الدولة؛ بأنّ مسؤولين “كبارا في البلد” تمّ إبلاغهم “بكل تفاصيل هذه العملية”.
وإذا صحّت ما تقوله “النهار” من أنّ المغسل بقيَ في بيروت مدة أسبوعين قبل تسليمه إلى السعوديّة، وأن التحقيقات معه بدأت من لبنان، وقبل أن يُسلّم إلى السعودية من المطار بعلم الأمن العام اللبنانيّ؛ فإنّ ذلك سيُعيد قراءة “العملية” باستدعاء احتمالات أخرى، أكثرها قبولاً في أوساط المقرّبين من المغسل هو أنّ “اختراقاً أمنيّاً” دفعَ المغسل إلى بيروت واستدرجه عبر “جواز سفر إيراني مزوّر”.
غير مستبعد من حيث المبدأ وقوع هذا السيناريو، إلا أنّه لا ينسجم مع الطبيعة “الأمنيّة المشدَّدة” التي كانت تحيط المغسل منذ سنوات، حيث تتحدث المصادر عن “عزلة قاسية” كان يخضع لها داخل منزله، تمنعه من الاختلاط العام بين الناس. وعلى فرض صحّة ما يُقال عن “رفْع” الحظر عن المغسل، والسماح له بالخروج العلني والاختلاط بين المواطنين الذين يزرون المقامات الدّينيّة في إيران، فإنّ ذهابه إلى بيروت “من غير تنسيق” مع/من الجهات المعنيّة في لبنان، يخدش “العقل الأمني” الذي كان يُدير تنقلاته خلال العشرين سنة ماضية، ويفتح علامات استفهام “أكبر” حول طبيعة “الاختراق البشري” الذي تتحدث مصادر بأنّه يرتبط بأحد مواطني السعودية الذين كانوا يحلّون على مشهد للزّيارة.
المعضلة السياسية التي فرضها اختطاف المغسل، وضع أمام المقرّبين الخيار الحقوقي باعتباره البوابة الآمنة لإثارة الملف.
مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب كان أوّل جهة “مدنية لبنانية” تُصدر موقفاً من “اختطاف” المغسل. ولعل الرسالة التي رفعها المركز، الجمعة 28 أغسطس 2015م، إلى رئيس حكومة لبنان، تمام سلام، تنسف الرواية التي تتحدّث عنها صحيفة “النهار”، حيث يدعو المركز لإجراء تحقيق حول “عملية الاختطاف” التي يراها “جريمة”، و”مخالفة للقوانين”، مشيرا إلى أن العملية تمّت عبر “جهاز أمني لبناني”، ما ينبيء بأنّ هناك “تصرفاً انقساماً” في عملية التسليم، وتمت على خلفية الانقسام الحادّ الذي يعطب بالدولة اللبنانيّة، ويمتد إلى داخل الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية.
وقد أقرّ مصدر أمني لوكالة فرانس برس أنّ جهاز فرع المعلومات هو منْ كان وراء العملية، ولم يتحدث المصدر عن ترتيبات قضائيّة المرعية في مثل هذه الأحوال، وعلى النحو الذي أشارت إليها “النهار”.
صحيفة “الأخبار”: خطف المغسل “وبيعه” إلى السعودية
رواية صحيفة “الأخبار” تذهب اتجاهاً مخالفاً لما ذكرته “النهار”.
تثبت الصحيفة في تقرير يوم الخميس، 27 أغسطس، أنّ الجناح “الحريري” هو المسؤول عن عملية الاختطاف، وبتنسيق مع المخابرات السعوديّة. وقد أُختطف المغسل داخل المطار، وأخذ مباشرة إلى المركز الرئيسي لفرع المعلومات في منطقة الأشرفيّة.
إلا أنّ “بيع” المغسل سيكون غير مكتمل الصّورة إلا مع ربط ذلك بالتعاون “الأمريكي”، حيث يُقال عن معلومات أمريكيّة كانت الجزء الأساسي في إتمام عملية الاختطاف، إذ يُدْرج المغسل على اللائحة الأمريكية للإرهاب منذ 19 عاماً، ولا يبدو أن “الاتفاق النووي” الإيرانيّ أثر على استمرار وجوده فيها، لاسيما وأنّه يتنقّل بجواز سفر إيرانيّ، وباسم آخر.
وفي حين تتحدّث “الأخبار” عن مخالفة للقواعد “القانونية” في عملية الاختطاف والتسليم، إلا أنّ مصادر قانونيّة ذكرت ل(البحرين اليوم) بأنّ هناك اتفاقية تسليم مطلوبين بين الرياض وبيروت، وهو ما يوفّر “غطاءاً” قانونياً للعملية برمّتها. كما أنّ ذلك يُفسِّر إحجام مسؤولين معارضين في لبنان (وخاصة القريبين من حزب الله اللبناني) عن التصريح بموقفٍ علني إزاء العملية. كما أنّ وسائل إعلام سعودية معارضة (قناة نبأ التي يُديرها الباحث السياسي المعارض فؤاد إبراهيم) امتنعت عن تداول خبر الاختطاف، رغم أنّها تولت دوراً أساسيّاً في الكشف عن “ثغرات” مهمة في التهمة الموجّهة للمغسل، أي تفجيرات “الخبر”، وذلك على النحو الذي نعرضه له فيما يأتي.
منْ باع “الصندوق الأسود” لحزب الله الحجاز؟
تؤكد العديد من المصادر بأنّ أحمد المغسل يمثل “قيمة ثمينة” بالنظر إلى تاريخه النضالي، وقيادته لحزب الله الحجاز. وتصف المصادرُ المغسلَ بأنه يمثل “الصندوق الأسود” للحزب، بالنظر إلى “خطورة وأهمية المعلومات التي يحملها خلال العقدين الماضيين”.
مراسل صحيفة “الرأي” الكويتية في بيروت، ربيع كلاس، يدفع بكلّ الأسئلة التي تشغل الأوساط السياسيّة “المعارضة”، ويقول: “هل وقع قائد “حزب الله – الحجاز” أحمد المغسل في المصيدة أم إنه أوقع به؟ كيف سقط أحد أخطر المطلوبين وأكثرهم تخفيا بعد نحو 19 عاما من التواري كأنه “الشبح”؟ ما اللغز الذي كشف هذا الرجل الذي يتصدّر قائمة الإرهاب الدولية لاتهامه مع آخرين بقتل 19 عسكريا أمريكيا وجرْح 372 آخرين في التفجير الهائل في الخُبر السعودية العام 1996؟ (…) والأهمّ: هل بدأ تسديد “فواتير” على صلة بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة ومعها دول الغرب فرُفع الغطاء عن السعودي ابن القطيف البالغ من العمر 48 عاما؟”.
محللون “يستخفون” بنظرية أن طهران “باعت” المغسل، وخاصة مع تأكيد إيران أنّها ليس لها علاقة بتفجيرات الخبر. استخفافٌ يطال أيضاً القول بأنّ إيران أرادت أن تقدّم “حسن نية” أو “عربون صداقة” للأمريكيين، والسعوديين كذلك، في طريق التأكيد على جدّيتها في تنفيذ الاتفاق النووي الذي يُنتظر أن يصوّت عليه الكونغرس الأمريكيّ، وفي الوقت الذي يواصل آل سعود امتعاضهم منه، ويدفعون الأموال لبعض النواب الأمريكيين من أجل “صناعة” لوبي في الكونغرس يُعطل الموافقة على الاتفاق.
يضيف المصدر بأنّ “سخافة” هذا السيناريو تُشبه السيناريو الآخر الذي يربط اختطاف المغسل باعتقال أحمد الأسير في مطار بيروت، والذي كشف في التحقيقات عن معلومات “مزعجة” للسعودية ولدول أخرى.
وغير بعيد عن دائرة “السيناريوهات السخيفة”، يقول مصدر آخر، بأنّه من غير الصحيح استبعاد “الخرق الأمني” في العملية برمّتها، لاسيما مع المعلومات التي تؤكد أن “جيشاً” من المخبرين السعوديين يختلطون بالزّوار طوال المواسم الدينيّة في إيران، ويعمل هؤلاء على إعداد تقارير استخباريّة مفصّلة عن حركة المواطنين ولقاءاتهم العامة والخاصة.
إبطال نظرية “تفجير الخبر”: الوقائع الغائبة والمختلقة
يُتهم المغسل بأنّه وراء التفجيرات التي ضربت الخبر في يونيو من العام 1996م. إلا أن تحقيقاً موثقاً أجراه الباحث السياسي فؤاد إبراهيم ينقض العديد من معالم الرواية السعوديّة (والأمريكية أيضا).
وبحسب مصادر معارضة، فإنّ الجهد المطلوب بذله بعد اختطاف المغسل وتسليمه إلى السعوديّة، حيث يواجه حكم الموت، هو كشف نواقص ونواقض الاتهامات التي وُجّهت إلى حزب الله الحجاز بالوقوف وراء التفجير الإرهابي، والذي تحوّل بسببه المغسل إلى أحد أبرز الملاحقين لدى أجهزة المخابرات الدوليّة.
وسوف نستعرض هنا، وفي الحلقة المقبلة، أبرز ما ورد في التحقيق المشار إليه:
أوّل ما يلفت الانتباه هنا، هو أنّ التفجير جاء بعد إنطلاق “المصالحة” بين المعارضة “السعوديّة”، وتحديداً تلك التي تمثّلها “المنطقة الشرقية”، وبين النظام السعودي، وهي المصالحة التي شابتها العديد من الشّكوك، غير أنها جرت في سكّتها حتى النهاية بعد الاتفاق على تمرير “حقوق” عامة للمواطنين، وعودة أقطاب من المعارضة إلى الداخل.
إقليمياً أيضاً، فإنّ تفجير الخبر وقعَ في فترة عُرفت بالازدهار “الذهبي” في العلاقة بين الرياض وطهران.
هذا المعطيان يفتحان العديد من الأسئلة حول “الجهة المستفيدة” من وقوع التفجير الذي استهدف البناء رقم 131 المخصّص لأفراد القوات الجويّة الأمريكيّة، ضمن المجمع السكني المعروف باسم “أبراج الخبر”، والذي يقطنه جنود أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون. وقد خلّف الانفجار 19 قتيلا أمريكياً، إضافة إلى إصابة أكثر من 300 عسكري أمريكيّ بجروح متفاوتة.
كانت السلطات السعودية تواصل حملتها لملاحقة عناصر القاعدة الذين كانوا يملؤون السجون، على خلفية ضلوع التنظيم في انفجار الرياض في 3 نوفمبر 1995 بالقرب من مركز تدريب عسكري يديره أمريكيون، ونتج عنه مصرع 5 أمريكيين وإصابة حوالى 60 شخصاً.
في هذه الأجواء، شنّ رجالُ المباحث التابعين للداخلية السعودية حملةَ اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين الشيعة على خلفية الاشتباه بارتباطهم في تفجير الخبر.
فرضَ الحدثُ الأمني نفسه على الأوضاع الداخلية، وعلى العلاقات الإقليمية، وأخذ أبعاداً إعلامية وسياسية وأمنية دولية.
وقبل أن يبدأ التحقيق في الحادث وملابساته، وجّهت السلطاتُ السعودية أصابعَ الاتهام إلى مواطنين شيعة، ينتمون بحسب رواية الداخلية إلى “حزب الله الحجاز”. وبناءاً عليه، جرى اعتقال عشرات من المشتبّه بانتمائهم للتنظيم.
في المقابل، لوحظ أن هناك عملاً سريعاً من أجل إخفاء معالم الحدث من مسرح الإنفجار. فقد طالب وزير الخارجية الأميركية، وارن كريستوفر، حينذاك – والذي كان في زيارة إلى الرياض – بالوقوف على الإنفجار، إلا أن طلبه قوبل بلامبالاة متعمّدة، وتمّ تأخير وصوله إلى موقع الإنفجار بعد أن تغيّرت معالمه، وأزيلت الآثار التي يمكن أن تدّل على الجهة المسؤولة عن الإنفجار.
وكانت هيئة التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) قد طلبت فور الانفجار من السلطات السعودية المشاركة في التحقيق، إلا أن الأخيرة رفضت الطلب من حيث المبدأ، وسُمح لأفراد منها بزيارة الموقع بعد مرور أيام على وقوع الانفجار.
أصرّت الداخلية السعودية، ممثلة في وزيرها الأسبق نايف بن عبد العزيز، على ترسيخ رواية واحدة للرأي العام الأميركي وللإعلام الدولي، وأوصدت الأبواب أمام أي كلام عن أطراف أخرى قد تكون ضالعة في انفجار الخبر، مثل القاعدة أو أطراف داخل العائلة المالكة.
في الحلقة المقبلة، نستعرض ما يقوله التحقيق الأمريكي بشأن تفجير الخبر، وكيف نظرَ الأمريكيّون لتحقيق السلطات السعوديّة؟ وما أبرز علامات العجب التي أثراها المراقبون حول ذلك؟